شهدت المرحلة الماضية حراكا شمل فئات المجتمع جميعها على حد سواء. امتنعت فئة عمالية تمتلك التأثير القوي عن ممارسة عملها، وباتت المدارس العمانية في حالة اضراب مصاحب بالغضب بينما هددت فئات عمالية أخرى بالشروع في إضرابات مختلفة لتلبية المطالب على اختلاف مستوياتها. على صفحات اجتماعية مختلفة لم يكن الأمر بالهين على الجهات الحكومية، إذ أمتد الغضب ليشمل مواطنين من مختلف الفئات حيث المطالبة بالإصلاح الفوري لأنظمة العمل، وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، وترسيخ فعلي للمساواة ودولة المؤسسات بعيدا عن سلطة الجهات الأمنية التي اتهمها البعض بأنها تعمل لمصالح فردية بعيدا عن المصلحة العامة – كما يشير كثيرون-. أنت تقرأ هذا التقرير الذي يحمل أراء سياسين وباحثين عمانيين لتقييم الوضع الحالي وطرح حلول للمرحلة المقبلة.
متابعة: سمية اليعقوبية ويقظان الشكيلي
الدكتور صادق جواد سليمان – سياسي وسفير سابق – يبرر الوضع العماني الحالي بالقول: دعونا نقرر أمر بديهيا. عمان قد كبرت عبر هذا العهد الميمون الذي تواصله اليوم في عقده الخامس. لقد كبرت من حيث انتشار العمران، واكتمال البنية التحتية، وعبر توسع قطاعها الخاص، وبروز مؤسسات المجتمع المدني، ونمو معاهد علمية، وامتلاكها اليوم بكل اعتزاز رصيدا وافيا من الكفاءات العلمية في مختلف حقول المعرفة والخبرة.
ويرى الدكتور صادق أن النماء الزاخر الذي نشهده اليوم يدعونا إلى الإقدام بثقة على ثلاث خطوات تقدمية لأجل أن يستمر وطننا مواكبا لتطورات العصر الحضارية، وهذه الخطوات هي:
1- توسيع نطاق اجتهاد الدولة تنظيرا وتقريرا، إزاء عموم مناحي الشأن الوطني بما يعرض مساحة الاجتهاد المؤسسي، ويقلص مساحة التقرير المختزل.
2- إرساء عملية صنع القرار الوطني شراكة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعة، في إطار تكافؤ بين السلطتين.
3- ربط المسؤولية بالمسائلة؛ بحيث تقرن هذه بتلك عبر جميع مواقع إدارة الشأن الوطني، بالأخص مواقع المسؤولية العليا، حيث ضرورة الربط أشد وألح.
هناك غياب واضح لمؤسسات المجتمع المدني
ويرى الباحث والكاتب منصور المحرزي أن السبب الرئيسي الذي يشهده تراجع أداء الحكومة خلال الفترة الحالية هو غياب واضح للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى عدم وجود مؤسسات واضحة للمجتمع المدني (أحزاب وتنظيمات عمالية حرة .. الخ )، والتي هي منطلق أساسي لأي عملية احتجاج أو ضغط على السلطة، حيث تبقى هذه العملية مرهونة بمبادرات فردية مبعثرة ومنفصلة، لا ترتكن إلى بيان مؤسسي واضح في المجتمع – حسب رأيه-.
ويقول المحرزي: إن الخوف والتردد وضعف الثقافة السياسية لدى الشباب وانعدام الوعي بآليات التغيير السلمي تلعب دورها أيضا في تعزيز قدرة السلطة على كبح أي حراك اجتماعي. ويضيف: هناك هوة بين الشعب وهي قديمة العهد: حيث أن النظام السياسي لا يقوم على التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة تمكن من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
يقول مالك العبري – وهو ممثل لولاية الحمراء في مجلس الشورى-: هناك اتساع للهوة في مستوى التوافق بين المتطلبات والأولويات التي ينشدها المواطن وبين برامج الحكومة ومستوى وتيرة أدائها، ومرجع ذلك إلى الأخذ بتوصيات ومقترحات مجلس الشورى، وعدم وجود دراسات ميدانية بالمستوى المطلوب حيث يتم تناول المتغيرات والمعطيات والظواهر الجديدة وأثرها وانعكاساتها على حياة المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ وبالتالي يكون التعاطي الحكومي معها دون المستوى المنشود حيث يصل أحياناً الى درجة النشاز في الايقاع والتغريد، وكما يقال “بعيدا عن السرب”.
مالك العبري: مؤسسات الحكومة رسخت فكرة الأداء الحكومي على أنه أداء مؤسسات خدمية فحسب.
ويضيف : لقد رسخت الحكومة ونشرت أيضا لاعوام عديدة عبر مؤسساتها التنفيذية كمجلس وزراء وأمانة عامة وزارة الشئون القانونية والمؤسسة الإعلامية ثقافة بين المواطنين تقوم على أن اطار الأداء الحكومي هو أداء المؤسسات الخدمية فحسب بل أن بعض هذه الجهات تصلبت في هذا المجال، وبالتالي أخذ الخلف ما عليه السلف.
مالك العبري: عدم تفعيل بعض صلاحيات مجلس الشورى يشعرنا بالإحباط
ويرى العبري أن دور مجلس الشورى مهم في تفعيل جميع الصلاحيات التشريعية والرقابية الممنوحة، ووضع الأدوات البرلمانية المناسبة لها، والتوسع في قطاعات غير خدمية تشمل الأمن والدفاع والشؤون الخارجية عبر لجان دائمة للمتابعة وتقييم الأداء. ويقول: عمل المجلس خلال المدة المنقضية على تشكيل عدد من لجان تقصي الحقائق، وتنفيذ دراسات ميدانية لبحث أسباب القصور في أداء الحكومة في عدد من القطاعات مثل الصحة والكهرباء والمياه والطيران العماني والتربية والتعليم ، كما شهدت جلسات البيانات الوزارية وجلسات النقاش المغلقة نقاش حاد، ونقد بنَاء لمستوى الأداء الحكومي في مجالات مثل التنمية الاجتماعية والصحة والتربية والتعليم العالي والإسكان والتجارة والصناعة والشئون الرياضية والسياحة. إن عدم وجود الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة التي تمكن المجلس من مسائلة السلطة التنفيذية، ومنع أو طرح الثقة عنها هي دون شك مشكلة حقيقية في ممارسة دور رقابي حقيقي يؤدي إلى تطوير الأداء وصون الموارد وتنميتها والى مكافحة الفساد ،وهذا الوضع الحالي يشعرنا أحياناً بالإحباط وعدم الدافعية للعمل والإبداع لكننا نأمل أن تشهد المرحلة المقبلة التطور الذي ينشده الجميع من وجود سلطات متكافئة ومتعاونة .
ويضيف: يعاني الأداء الحكومي الكثير بشهادة كبار المسئولين بالحكومة بسبب التضخم والبطالة المقنعة في بعض الوظائف وشح الكوادر في بعض التخصصات الفنية والمهنية، كما بدأت تتسلل لمجتمعنا ظاهرة الاضرابات والاعتصامات لعدم وجود الرضا الوظيفي ، ولكن القيادة الحكيمة والمخلصة لهذا الوطن ولهذا الشعب لن تدخر جهدا في إصلاح المؤسسة وتطويرها وتحديثها، ثم أن الجميع مسئول سواء الحكومة او المواطن في تحسين الأداء الحكومي، مع التأكيد على ضرورة الاخذ بمقتضيات الدولة العصرية القائمة على المؤسسات والقانون والفصل التام بين السلطات والمسائلة والمحاسبة والشفافية وضرورة إعادة هيكلة الاجهزة الحكومية بما يتواكب مع إحتياجات الدولة وأولويات التنمية، وتسخير الموارد الطبيعية بما يحقق قيمة مضافة على الخدمات والاقتصاد الوطني ووضع ميزانية على أساس الأداء والأهداف.
ما الحلول للمرحلة المقبلة؟
يرى الدكتور صادق جواد أن المرحلة المقبلة تقتضي استحداث منصب حكومي بارز وهو منصب رئيس مجلس للوزراء – رئيس للحكومة – ويشير إلى أن النظام المتبع حاليا كانت له ايجابياته الهامة والنفيسة حتى عهد قريب، وأهم محاسنه أنه أرسى استقرارا سياسيا ووئاما اجتماعيا وأولى الجميع فرصة ثامرة لتنمية وطنية شاملة على توالي أربعة عقود. لكنه يرى أنه مؤخرا، ومع النماء المشهود في الخبرة والأهلية المعرفية, ومع تعقد القضايا وتشعبها بوتيرة متسارعة، ومع ارتفاع سقف التطلعات الشعبية عامة، ومع ارتقاء عمان دولةً عصرية بامتياز، فإن تلك المحاسن تخفت حسب رأيه.
د.صادق جواد: أقترح تنصيب رئيس الحكومة بالتكليف وليس الانتخاب.
ويقول : يكون تنصيب رئيس الحكومة بآلية التكليف من قبل السلطان لمواطن أو مواطنة بتشكيل حكومة وعرضها عليه. فإذا ارتضاها وبرنامج عملها وفق جدول زمني أحال الرئيسَ المكلف والأعضاء إلى مجلس عمان. و في مجلس عمان يقدم الرئيس المكلف أعضاء حكومته، و يعرض برنامج عملها، ويجيب هو ورفاقه على كافة الأسئلة المستفسرة عن رؤاهم – سياسةً وإدارةً- حول مختلف مساحات الشأن الوطني. فإذا ارتضى المجلس الرئيس المكلف والوزراء المرشحين وبرنامج عمل الوزارة؛ أحال الأمر لاعتماد رئيس الدولة كقرار نهائي. اذا تم اختيارهم أو اعتمادهم عن طريق هذه المنهجية المحكمة وبما تقتضيه الحيادية والإنصاف والمصلحة العامة إزاء كافة مناطق السلطنة؛ فإن آي تقصير وإجحاف من جانب الحكومة اتجاه أي تجاوز كبير سيعطي مجلس عمان صلاحية التحري والتحقيق حتى وإن اقتضى الأمر سحب المجلس الثقة من الحكومة المكلفة.
ويشير الدكتور صادق جواد إلى أن النظام الأساسي للدولة يحمل اشارات عدة إلى مسمى رئيس للحكومة أو رئيس لمجلس الوزراء وبما أن النظام الأساسي هو تشريع الحكم القائم في السلطنة فلا بد أن يؤيد خلال المرحلة القادمة استحداث هذا المنصب ليكفي المتخوفين أو المتوجسين لفكرة ” رئيس وزراء عماني”.
الباحث ناصر المحرزي: هناك من يستفيد من ضياع حقوق المواطنين.
ويرى الباحث ناصر المحرزي أن الحلول ليست بيد عامة الشعب حاليا، لأن السلطة بعد أربعون عاما غدت جامدة – بحسب رأيه – ، ويقول : لا جدوى من تغيير الأشخاص أو استحداث منصب رئيس وزراء – رئيس حكومة – ما دامت العلة كامنة في شكل وهيئة أسلوب الحكم والنظام السياسي فلن تعدو التغييرات إلا أن تكون عمليات ترقيع براقة لنظام متعثر . إن صحوة النظام هو ما يراهن عليه في الفترة المقبلة ولكن ليس بشكله وردود فعله الحالية، إنما في تبلور إرادة سياسية جديدة تماما وبشخوص أخرى.
ويضيف: هناك فئات مستفيدة من الوضع العام الحالي في الدولة، فلا تتصور هذه الفئات أن تنزاح عنها الامتيازات السلطوية والمالية لصالح عامة الشعب ولذا يبقون أنفسهم بعيدا عن أي تغيير يمكن أن يحدث بكافة الطرق الأمنية والعسكرية.
مالك العبري يرى أن المرحلة الحالية والمستقبلية ينبغي أن تقوم على اعتماد سياسة الإدارة اللامركزية، وتفعيل دور المحافظين والمجالس البلدية على مستوى المحافظات، ولجنة الشؤون البلدية على مستوى كل ولاية، وتخصيص ميزانيات لكل محافظة قائمة على أسس علمية ومرتكزات ميدانية مثل المساحة وعدد السكان ومستوى التعليم ومستوى التنمية بها والموارد الطبيعية المتاحة بها ودرجة قربها وبعدها من العاصمة وطبيعة تضاريسها .
ويقول : القادم في عُمان يتطلب الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، والذي يقودنا الى ضرورة وجود منصب رئيس وزراء يخضع للمسائلة والمحاسبة من قبل السلطة التشريعية والرقابية وطرح الثقة عنها في حالة تقصير حكومته في أدائها أو تجاوزها لصلاحياتها أو مخالفتها للقانون، كما يلزم وجود رقابة من جانب السلطة التشريعية وجهات رقابية على جميع الوزارات بما فيها ديوان البلاط السلطاني وشؤون البلاط والأمن والدفاع والشئون الخارجية والنفط والغاز وغيرها، وبخاصة في ما يتعلق بممارساتها المالية والإدارية. دون شك لو تمت هذه الخطوات فلن ينعكس فقط بالإيجاب على ميزانية الصرف ومستوى الأداء وحسب وإنما إلى طفرة في جوانب التنمية الشاملة ومستوى الإبداع والابتكار والانتماء الوطني .