شهدت السنوات القليلة الماضية عدد من التطورات التي حتمت تأثيرها على المواطن في شتى المجالات. أزمات عالمية وإقليمية ومحلية ساهمت في تغيير مجريات الحياة بأساليب مختلفة. و يستعرض التقرير الحالي بعض هذه الأزمات من خلال آراء ودراسات الباحثين والخبراء.
يرى الدكتور حمد الغيلاني – خبير بيئي- أن السلطنة مرت خلال الفترة السابقة، وتحديدًا منذ عام 2007م وحتى الآن بالعديد من التغيرات البيئية المؤثرة التي ينبغي الالتفات لها، وأهمها إعصار جونو 2007م، وإعصار فت 2010م وازدهار كبير للطحالب البحرية (المد الأحمر) 2008-2009م مما أدى إلى إغلاق بعض محطات تحلية المياه في مسقط والباطنة، كما أن المتابع للتغيرات المناخية خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، يلاحظ زيادة في درجات حرارة الجو في السلطنة، إذ تتراوح بين درجة إلى درجتين في العديد من المدن العمانية منها صور وصحار، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب المياه في عدة محافظات، نتيجة زيادة وتيرة نزول الأمطار في الآونة الأخيرة، وتأثير ذلك على المدن ومجاري الأودية والمنشآت والطرق والمباني السكنية، بالإضافة إلى التلوث الناجم عن البحر، نظرًا لموقع السلطنة بين ثلاث بحار ومرور ثلثي نفط العالم من مضيق هرمز (أكثر من 25 ألف سفينة تعبر مضيق هرمز سنويًا)، وما ينجم عن ذلك من تأثيرات بيئية، نتيجة تغيير مياه التوازن لناقلات النفط، وما حدث من تسرب نفطي من إحدى السفن قبالة شاطئ مسقط، كما أن تركيز المناطق الصناعية الكبيرة التي تحتوي مصانع تكرير وتصدير النفط والغاز والأسمدة، وغيرها من المصانع والمنشآت ذات التأثيرات البيئية العالية في مواقع الكثافة السكانية (المنطقة الصناعية بصحار وصور)، أثر على تلك المناطق والساكنين فيها، بالإضافة إلى أزمة التصحر في مواقع عدة بالسلطنة وأهمها: محافظة ظفار، وتوزيع أراضٍ زراعية خصبة، في كل من الباطنة وظفار كأراضٍ سكنية، بالإضافة إلى تأثير الكسارات على البيئة وغيرها من القضايا البيئية والتغيرات المناخية
الغيلاني: ينبغي تقييم تأثيرات وجود السلطنة ضمن حزام الزلازل.ويتحدث الغيلاني عن المؤشرات والدراسات الأخيرة والتي أثبتت وجود السلطنة ضمن حزام الزلازل والذي بدأ يظهر تأثيره بشكل لافت في الأشهر القليلة الماضية نتيجة تعرض السلطنة لأكثر من زلزال، أو ارتداد لزلزال ضرب في المناطق المجاورة مثل باكستان وإيران. ويقول: ينبغي تقييم هذه التأثيرات وفق المؤشرات والدراسات المتوفرة وتشكيل فريق عمل لمتابعة التطورات المرتبطة به.
الغيلاني : إعادة النظر في تخطيط المدن والمواقع التي تمر عليها الأودية بات ضرورة ملحةوأضاف: أهم الجوانب التي تستحق مزيد من الاهتمام والتخطيط هي تأسيس فريق للمراقبة والتقييم والإنقاذ، يشمل جميع الجهات ذات الاختصاص للتصرف بشكل فوري وسريع ومؤثر، وتأمين كافة الإمكانات للطوارئ والإنقاذ والإعلام والتوعية، وإعادة النظر في تخطيط المدن والمواقع التي تمر عليها الأودية والتي تتأثر بالأمطار؛ بحيث تؤسس بنية تحتية متكاملة تستوعب كل التغيرات البيئية والمناخية القادمة ، وتخطيط الطرق وجميع الخدمات الأخرى بما يستوعب تصريف أو تخزين كميات المياه التي قد تؤثر على السلطنة مستقبلاً، وإنشاء مراكز دراسات وأبحاث بيئية متقدمة ترصد وتتابع وتقيم التغيرات البيئية والمناخية، وتستطيع قياس التلوث البيئي بشكل علمي دقيق وفي جميع الجوانب البيئية المختلفة وهي المياه والتربة والهواء؛ حيث إن التغيرات المناخية تحتاج إلى رصد وتقييم لفترات طويلة تمتد لأكثر من ثلاثين سنة، وتأهيل كادر عماني متخصص مؤهل لقياس جميع التغيرات البيئية والمناخية وقياس نسبة التلوث البيئي، واستغلال كميات الأمطار التي زادت في الآونة الأخيرة في عدة محافظات في السلطنة من خلال تخزينها لتغطية العجز في كميات المياه واستغلال الفائض منها في تغطية العجز في الأمن الغذائي، ومنع توزيع الأراضي الزراعية الخصبة (خاصة في محافظتي الباطنة ومحافظة ظفار) ذات الجودة العالية في المياه واستثمار تلك الأراضي في زيادة الرقعة الخضراء للتخفيف من زيادة درجة الحرارة، ولتحقيق مزيد من الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، وإنشاء شبكة من أجهزة الإنذار المبكر للزلازل والأعاصير لرصد حدوث أي منها وخاصة تسونامي، وتطوير ربط شامل لأجهزة وأنظمة الإنذار المبكر مع أجهزة الهواتف المحمولة للمواطنين للتنبيه عن أي طارئ يمكن حدوثه للتقليل من تأثير تلك التغيرات المفاجئة على الإنسان أو المنشآت، وإنشاء منظومة متكاملة للمراقبة وللتعامل مع التلوث البحري بشتى أنواعه البيولوجي والكيميائي والنووي وإنشاء منصات تفريغ مياه التوازن لناقلات النفط نتيجة حساسية موقع بحار السلطنة ووجود العديد من ناقلات النفط والسفن والغواصات الحربية التي تجوب بحر العرب وبحر عمان والخليج العربي، وإعادة تقييم تأثيرات المناطق الصناعية الحساسة في كل من صحار وصور على البيئة والإنسان، وإيجاد أفضل الوسائل العلمية الحديثة لضمان جودة تقييم التلوث والتقليل من تأثيره بأحدث الطرق الممكنة، وكذا إعادة تقييم ومراقبة ودراسة بعض الظواهر الطبيعية مثل ظاهرة المد الأحمر والتقليل من آثارها المستقبلية على البيئة والثروة السمكية ومحطات تحلية المياه.
باحث اقتصادي : بالنظر إلى تعاطي السلطنة مع الأزمات السابقة .. لا يمكن أن يشكل رفع الدعم عن المحروقات أزمة حقيقيةيقول الدكتور المختار العبري – متخصص بالاقتصاد في جامعة السلطان قابوس : لا يمكن أن تشكل خطة رفع الدعم عن المحروقات أزمة اقتصادية، حتى مع رفع رواتب بعض المواطنين إذ أن المواصلات لا تشكل نسبة عالية من مجموع الاستهلاك – تتراوح نسبتها بين (10-15)%- وبالتالي سوف يعدل المستهلكون من أنماط استهلاكهم مع ارتفاع أسعار الوقود ومن الأمثلة أن يلجأ المواطنون إلى تقليل استخدام سيارات الدفع الرباعي، و الاعتماد على السيارات الصغيرة.
وأضاف: السلطنة كان قد نجحت في ادارة ومعالجة الأزمات الاقتصادية السابقة ميدانيا حيث استطاعت تجاوز أزمة انخفاض اسعار النفط 1997-1999 بالاقتراض والسحب من الاحتياطي وتقليل النفقات على الأمور غير الضرورية، والخطوات التي اتبعتها السلطنة في علاج هذه الأزمة كانت مناسبة جدا؛ نظرا لأن الأزمة كانت مؤقتة فاللجوء الى الاقتراض، وتخفيض النفقات غير الضرورية أنسب من اللجوء إلى تغييرات هيكلية مثل الضرائب أو تخفيض الانفاق على الخدمات العامة.
العبري: الصندوق الاحتياطي للدولة هو الملجأ في الأزمات الاقتصاديةوحول الأزمات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها المحتملة على السلطنة، يشير العبري إلى أهمية وجود فريق لعلاج الأزمات الاقتصادية بحيث يكون مشتركا بين وزارة المالية والمجلس الأعلى للتخطيط والبنك المركزي وزارة القوى العاملة و خبراء اقتصاديون.
وفيما يتعلق بوضع السلطنة لخطط مستقبلية خاصة بمعالجة واحتواء الأزمات الاقتصادية المفاجئة ، يرى أن الصندوق الاحتياطي للدولة هو الملجأ في الأزمات الاقتصادية، إذ أن السلطنة في وضع اقتصادي ممتاز في الوقت الراهن، وقادرة على مواجهة أية ازمات اقتصادية قادمة.
ويرى أ. سالم الرشيدي – من قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس : أن الإعلام قبل أحداث حراك فبراير 2011 كان حذرا في تناول أي أزمة، ولكن الحراك فرض تغييرا على الأفكار. ويقول: إذا كنا نبحث عن تغطية واسعة للأزمات؛ فلا بد أن يؤدي القطاع الخاص أدوارا إعلامية بعيدة عن دور الاعلام الحكومي بحيث لا يشعر المواطن ببعد الاعلام عنه لأن مواقع التواصل الاجتماعي فرضت نفسها في الفترة الحالية في ما يتعلق بانتشار المعلومات وتداولها حول الناس.
الرشيدي: لا زالت الصحافة الخاصة ترتدي حلة حكوميةوحول الشائعات وتصاعد نسبتها في فترة الأزمات يقول: هناك معادلة متعارف عليها تنص على أن انتشار الشائعة يعني خلل في تدفق المعلومات. الاعلام لا يلبي طموح المرحلة الحالية عموما؛ ولذا ينبغي أن تكثف الدراسات العلمية الحقيقية البعيدة عن الاتجاهات الايجابية لمعرفة مدى تلبية الاعلام لاحتياجات المواطن. وحتى نكون واقعيين، يجب أن ندرك أننا أمام إعلام حكومي، وبالتالي لا نستطيع أن نوجه عليه اللوم ولكن هناك الصحافة الخاصة التي ترتدي “حلة حكومية”، وتسير على نفس خطى الاعلام الحكومي وتستفيد من المعونات الحكومية.
ويضيف: مؤسف جدا ان الاعلام متأخر وغير مبادر، ووجود أي أزمة أو قضية يثير الرغبة نحو معرفة كافة التفاصيل حولها. هناك استثناء بسيط لبعض المبادرات التي تقوم بها جهات إعلامية خاصة مثل متابعة قناة الوصال لموضوع الاتحاد الخليجي، وتزويد المتابعين بتفاصيل موسعة عنه. وعندما تحدثنا عن اعصار جونو – كمثال على تعاطي الاعلام مع الازمات- قال: إذا كان الإعلام حكومي؛ فلا بد أن يدافع عن مصالح الحكومة، وهذا هو دوره تجاه من يموله، وليس من المنطقي أن تتناول الأزمة بالشفافية التي يطلبها الناس ضد ممولها. يجب أن تساعد القوانين يجب الإعلاميين في الحصول على المعلومة وتتكفل بحمايتهم.
شهاب السليماني – طالب بجامعة السلطان قابوس – يرى أن هناك قضايا لا تجد متابعة مستمرة كقضايا التلوث البيئي. كما يشير إلا أنه من الواضح أن المواطن لا يدرك تأثير الأزمات المستقبلية، كما حدث مع قضية تملح سهل الباطنة وضياع المساحات الزراعية الناتجة عن الاستنزاف للمياه؛ إذ لم يلتفت المواطنون للأزمة إلا بعد حدوثها. ويعتقد محمد البدري – طالب بجامعة السلطان قابوس- أن الإعلام غالبا ما يتطرق للازمات دون شرح للنتائج، أو آلية التعامل معها مستقبلا . فيما يرى فهد الأغبري – طالب بجامعة السلطان قابوس – أن التعاطي الصحيح مع الأزمات يمكن المواطن من استقراء عدد من الجوانب المرتبطة بمستقبله عبر دعمه بالمعلومات والآراء والأفكار. ويقول: هناك عدم رضا عموما عن تغطية المؤسسات الإعلامية للأزمات رغم أن هناك وسائل إعلامية أظهرت جانبا من المهنية في التغطية. إن مقدار المهنية مرتبط دائما بقدر من الالتزام الأخلاقي والمهني لدى العاملين بهذه المؤسسات.
متابعة: حمد الهاشمي وخولة الجابرية