تعرض مواطن هنا مختصر دراسة قامت بها “صحيفة الغد اليمنية” لدراسة قام بها الباحث العماني في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية رئيس تحرير مجلة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية أ.محمد الفطيسي
للرجوع للدراسة الأصلية الرجاء فتح الرابط:
مستقبل الصراع في اليمن وتأثيره على الأمن الوطني العماني
حذرت دراسة حديثة صادرة عن المركز العربي للدراسات الإستراتيجية من تأثير الصراعات في الساحة اليمنية على مستقبل الاستقرار والأمن الوطني لسلطنة عمان. واعتبرت الساحة اليمنية منذ مطلع العام 2013 تشهد تطورا خطيراً جدا يتمثل في اتهام الحكومة اليمنية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعمها العسكري للحوثيين بعد ضبط سفينة قادمة من إيران “جيهان 1? في المياه البحرية الإقليمية، وعلى متنها عشرات الأطنان من الأسلحة المتطورة القادرة على إسقاط طائرات عسكرية ومدنية، كان قبلها وبفترة قصيرة لم تتجاوز الـ6 أشهر تقريبا، قد وجه الرئيس عبد ربه منصور هادي أصابع الاتهام وبشكل رسمي للجمهورية الإيرانية بالتدخل في شؤون بلاده، وذلك من خلال كشفه القبض على خلايا تجسس إيرانية في صنعاء.
واستشهدت الدراسة بتقرير صادر عن الوكالة الأمريكية للدراسات الإستراتيجية والاستخباراتية ستراتفور يذكر أن “إيران تنقل أسلحة إلى الحوثيين في اليمن عبر طريق يبدأ من ميناء عصب الإريتري ويلتوي شرقا حول الطرف الجنوبي من بحر العرب في خليج عدن إلى مدينة شقرة التي تقع على الساحل الجنوبي لليمن، ومن هناك تتحرك الأسلحة برا إلى شمال مدينة مأرب شرقي اليمن وبعدها إلى محافظة صعدة شمالي على الحدود السعودية – اليمنية”.
وقالت الدراسة: “بغض النظر عن من توجه إليه أصابع الاتهام ومدى صحتها ومصداقيتها، ودور البروبوجندا الإعلامية الدولية في تضخيم أو تقزيم الأحداث وسيناريوهاتها المستقبلية في اليمن, أو في تحوير وتوجيه دفة الصراع إلى جهة ما، أو لصالح فئة ما، أو ضد مصالح دولة ما, وذلك بهدف تحقيق مصالحها الإعلامية التجارية أو مصالح دولها وملفاتها الشخصية، فان اليمن اليوم أصبح ساحة معركة للعديد من اللاعبين الدوليين الذين لهم مصالح في تقويض الاستقرار أو توطيده كل بحسب مرئياته”.
وتابعت: ” بعيدا عن سرد تفاصيل الوقائع وتطور الأحداث الأخيرة، فان ما يهمنا في كل ذلك في هذه الدراسة المختصرة والموجزة، هو تأثير تلك التحولات والتطورات في الساحة اليمنية على مستقبل الاستقرار والأمن الوطني لسلطنة عمان، وخصوصا أن سلطنة عمان ترتبط مع اليمن بحدود جغرافية طويلة تزيد عن الـ 280كم، من خلال محافظة ظفار (جنوب شرقي اليمن), والذي يعد الجزء الجنوبي اليوم برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، خصوصا أن المدن الجنوبية لليمن تشهد مظاهر تصعيد غير مسبوقة لأنشطة الفصائل المتشددة المنضوية في إطار قوى الحراك الجنوبي المطالبة بفك الارتباط مع الشمال بهدف استعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية منذ مطلع العام 2012.
وذكرت الدراسة أن سلطنة عمان تتأثر بالأحداث في اليمن بوجه عام بطريقة غير مباشرة في اغلب الأوقات، إلا أن ذلك التأثير يتطور ليؤثر عليها بشكل مباشر من خلال إشكالية طول الحدود مع اليمن والتي يصعب احتواءها وضبطها بشكل كامل مما يسهل تسلل عناصر تنظيم القاعدة ومهربي الأسلحة والمخدرات وتجار السلاح، وغيرهم من الهاربين من جحيم الصراع الدائر في اليمن إلى الداخل العماني، وهو ما حدث في شهر يونيو من العام 2012م كما تناقلته الكثير من وسائل الإعلام العمانية والدولية.
وخلصت إلى التأكيد على أن سلطنة عمان، شاءت ذلك أم لا، واقعة في مرمى تأثير تطورات الصراع الدائر في اليمن بوجه عام والحراك الجنوبي على وجه الخصوص وانعكاساتها بسبب خصوصية الموقع الجغرافي وارتباط الدولتين بنقاط تاريخية وثقافية واجتماعية مشتركة.
وقالت: “يمكن التأكيد على أن تصعيد الأزمة والصراع الراهن في مناطق ما يسمى بالحراك الجنوبي بالجمهورية اليمنية منذ مطلع العام 2013م، وحتى الأحداث الدائرة في شمال اليمن يشكل أرقا لا يمكن نكرانه بالنسبة للحكومة العمانية وأجهزتها الأمنية والعسكرية، كون ذلك التصعيد وتطوراته ينعكس سلبا على مستقبل الاستقرار والأمن الوطني لسلطنة عمان”.
ولخصت نتائج الدراسة جوانب التأثير سالفة الذكر وحصرها بالنقاط الآتية:
( 1 ) إمكانية استمرار تسلل عناصر القاعدة والحوثيين والمهربين إلى الأراضي العمانية، والذين يمكن لهم تشكيل خلايا استخباراتية أو عسكرية أو حتى عناصر ضغط على الحكومة العمانية لاحقا من خلال الإخلال بالأمن والاستقرار الوطني العماني، وإعادة توجيه الحراك الجنوبي لوجستيا من المناطق الجنوبية لسلطنة عمان والسعودية، وذلك من خلال مناطق التخلخل الجغرافي أو البطن الرخو للحدود الجغرافية اليمنية – السعودية – الإماراتية – العمانية من محيط البر الصحراوي، مثلث البديع، حيث تلتقي رمال اليمن بالدول الثلاث، الجزء الصحراوي “فوجيت – حات” أو مرتفعات “حوف”، وليس من المستبعد أن تتحول تلك الصحراء إلى قواعد عسكرية واستخباراتية تعج بالتنظيمات الإرهابية المسلحة ومخازن السلاح.
( 2 ) سيتسبب تصعيد الحرب في الجنوب إلى لجوء العديد من المواطنين اليمنيين إلى الحدود اليمنية العمانية، وبالتالي حتمية بناء مئات وربما الآلاف من المخيمات لاستيعاب اللاجئين الهاربين من جحيم الصراع على تلك الحدود، وهو ما سيشكل زيادة في الضغط والعبء على الحكومة العمانية من عدة نواحي، على رأسها الناحية الإنسانية وانعكاساتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية على الداخل العماني.
( 3 ) مع احتمالات انفصال الجنوب عن الشمال، وتقسيم اليمن، ستولد على الحدود العمانية اليمنية دولة جديدة ذات طابع أثيني هجين من الايدولوجيا المتناقضة والقابلة للاشتعال والصراع الداخلي، والتي يمثلها القاعديين من جهة والاشتراكية الشيوعية التي يمثلها أقطاب وزعماء الدولة الجنوبية المنفصلة – اقصد – جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من جهة أخرى، خصوصا ان نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض أكد أن عودته إلى جنوب اليمن وشيكة، مجددا البيض في ذات الوقت دعوته لفك ارتباط الجنوب عن الشمال، ومطالبته للأمم المتحدة بالتحضير لاستفتاء شعبي حول تقرير مصير أبناء الجنوب.
( 4 ) في حالة نجاح أو حتى تصعيد مطالب الانقسام الجنوبي، فان الشماليين من الحوثيين ” الطائفة الشيعية الزيدية “هم كذلك سيطالبون بالاستقلال والانفصال أسوة بالجنوبيين لتقوم بجوار الدولة الجنوبية المحتمل استقلالها وانفصالها دولة ذات طبيعة أيديولوجية دينية ربما تدين بولائها لإيران بطريقة أو بأخرى، وبالتالي فان اليمن ربما سيقسم إلى ثلاث دويلات ” سنية – شيعية – اشتراكية شيوعية ” قابلة للصراع والتناحر.
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي اليمني محمد الغباري إن: اليمن على شفا حرب أهلية طاحنة بسبب الاحتقان الذي يعم البلاد من شمالها لجنوبها، فبخلاف معركة النظام مع الحوثيين في صعدة الشمالية بدأ صوت الدعاوى الانفصالية يعلو أكثر من خلال ما يعرف بـالحراك الجنوبي وأضاف: إن اليمن سيكون صومالاً جديدا إذا لم تتحرك الحكومة للحوار مع القوى المطالبة بانفصال الجنوب عن الشمال، ففي كل يوم ترتفع وتيرة هذه المطالبات ويزيد الاحتقان، والحوثيون يلوحون بحرب سادسة، وهذا ما يؤكده المحلل السياسي اليمني عبد الرقيب منصور من جهته قائلا: انه بخلاف عدم حوار الحكومة اليمنية مع أهل الجنوب، والاستجابة للمطالب العاجلة لهم، فإن عدم حسم الجيش اليمني لصراعه مع الحوثيين في مدينة صعدة الشمالية شجع دعاوى الانفصال في الشمال على الظهور، وكل ذلك في نهاية المطاف سينعكس على الجوار الحدودي لسلطنة عمان.
( 5 ) ليس من المستبعد قيام بعض أقطاب الحراك اليمني الجنوبي اليساري المتعصب تاريخيا بعد استقلالهم في دولتهم الوليدة المجاورة لسلطنة عمان بتصدير الثورة من خلال التدخل الأيديولوجي والسياسي واللذان لا يستبعد أن يتلوهما تدخل استخباراتي لبث الفتنة والفوضى الداخلية على المدى المتوسط أو البعيد في إقليم ظفار العماني تحت شعارات وحدة التاريخ والجغرافيا بحكم فكرة أن مملكة حضرموت وظفار هما جزء لا يتجزأ من دولة اليمن الجنوبي التاريخية كما يدعي العديد منهم، ويمكن التأكيد على تناقل ذلك الشعور وتلك العاطفة التاريخية المتعصبة من خلال العديد من كتب التاريخ اليمنية المعاصرة ككتاب تاريخ حضرموت، والعديد من مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الشعبية وأراء الكثير من مشايخ ورموز الدولة الجنوبية المنفصلة.
( 6 ) مع احتمال نجاح الثورة في جنوب اليمن في تحقيق أهدافها بالانفصال عن الدولة الأم، وتشكيل دولة جديدة على الحدود العمانية – اليمنية، أيا كان نوعها أو شكلها أو توجهها الأيديولوجي، فان ذلك ربما سيدفع أو يشجع بطريقة أو بأخرى تلك التنظيمات وخصوصا الإسلامية الراديكالية منها كتنظيم القاعدة والانفصاليين الإسلاميين اليمنيين المتشددين من مختلف التيارات الدينية والمذهبية على نقل وسائل وأهداف تلك الثورة إلى الداخل الخليجي بوجه عام والعماني على وجه التحديد بسبب القرب الجغرافي، وخصوصا المناطق الجنوبية لسلطنة عمان، من خلال محاولات إثارة القلاقل والفتن والاضطرابات الداخلية وبث روح الانقسام والطائفية والمذهبية ” لا قدر الله “.
( 7 ) مع تصاعد وتيرة الصراع في الجزء الجنوبي اليمني المجاور لسلطنة عمان، أو حتى الشمال ذو الصبغة الأيديولوجية الشيعية، فانه سيرتفع سقف احتمالية تدخل ” غربي / خليجي ” في ذلك الجزء من رقعة الشطرنج العربية تحت شعارات إرساء السلام ومكافحة الإرهاب والقضاء على فلول القاعدة والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، في وقت لا يستبعد أن تقوم الأخيرة من جهتها بدعم الحوثيين الشيعة في الشمال ومن يناصرهم لمواجهة التدخل الغربي والخليجي في اليمن، وربما تتدخل دول أخرى لها مصالح في نشر الفوضى بدعم عناصر تنظيم القاعدة، وكل ذلك بالطبع سيشكل أوراق ضغط خطيرة على الحكومة العمانية نظرا لارتباط عمان بعلاقات طيبة مع إيران واليمن من جهة وكون عمان دولة خليجية من جهة أخرى، هذا بخلاف قرب مناطق الحرب والصراع المشتعل مع حدودها الجنوبية الشرقية التي تمثلها ظفار.
( 8 ) مع دق طبول الحرب الشاملة في اليمن وارتفاع سقف المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال وتسارع وتيرة المطالبات بالتدخل الدولي في المناطق اليمنية المتناحرة فان الحدود العمانية ومناطق القرب الجغرافي كظفار والحدود البحرية ستعتبر بالنسبة لعدد من التنظيمات المسلحة كتنظيم القاعدة مناطق آمنة، لذا ستكون مستهدفة وقابلة للاختراق والقيام بعمليات لوجستية داعمة للصراع، كما أشير إلى ذلك في النقطة الأولى.
( 9 )هناك إشكالية اكبر ستترتب على استفحال وتوسع ذلك الصراع، و- نقصد – بها احتمالية عودة سيطرة التنظيمات القاعدية والمتشددين الراديكاليين بالتعاون مع تنظيم القاعدة في القرن الإفريقي والقراصنة الصوماليين على المنافذ والسواحل البحرية اليمنية بهدف الدعم اللوجستي وتهريب الأسلحة ونشر الفوضى والقلاقل والقرصنة البحرية في مناطق الصراع اليمني ودول الجوار الخليجي من خلال محاولات السيطرة على مضيق باب المندب وساحل أبين والسواحل الجنوبية لليمن، والتي تعد اليوم خارطة طريق أمنة نسبيا للمتسللين من عناصر تنظيم القاعدة الوافدين من دول كباكستان وأفغانستان والشيشان والقرن الأفريقي وحتى إيران، وبالتالي لا يستبعد محاولات تلك التنظيمات السيطرة ونشر الفوضى والقلاقل في الحدود البحرية لدول الجوار كسلطنة عمان من خلال خليج عمان ومضيق هرمز.
( 10 ) لا يستبعد أن تشكل العلاقات العمانية – الإيرانية الطيبة ورقة ضغط دولية وخليجية على الحكومة العمانية لدفعها للتدخل المباشر لاحتواء التواطؤ الإيراني مع الحوثيين ودعمها لهم وخصوصا في حال قرر المجتمع الدولي التدخل في اليمن، وعليه فان سلطنة عمان والدبلوماسية العمانية ستكون في الصف الأول للتحركات الدبلوماسية العابرة للقارات لاحتواء الأزمة اليمنية للاعتبارات السابقة والضرورات الجغرافية، هذا بالإضافة إلى احتمالية تصعيد المواجهة مع إيران في تلك الظروف مع المجتمع الدولي من خلال ملفات معقدة وغير قابلة للحل السياسي كالملف النووي الإيراني وملف التدخل الإيراني في العراق وسوريا والخليج العربي, وهو ما سيترتب عليه احتمالية التعاطي مع تلك العلاقة التاريخية بطريقة أكثر صعوبة.
وخلصت الدراسة إلى القول بأن “المهم في الأمر أن مستقبل جزء كبير من منظور الأمن والاستقرار الوطني الداخلي لسلطنة عمان مرهون بمدى تطور الأزمة اليمنية بوجه عام واشتعالها واتساع نطاقها في مناطق الجنوب المتاخم لها على وجه خاص، وتعاطي المجتمع الدولي معها بكل عقلانية ومنطقية بعيدا عن منطق السياسة الصلبة والتدخلات العسكرية، وكذلك بمدى قدرة الحكومة العمانية على وضع استراتيجيات الاحتواء ومواجهة تلك الانعكاسات والتطورات المستقبلية خلال الفترة الزمنية القادمة”.