أصدرت مؤسسة (هيرتيج فاونديشن) الأمريكية بالتعاون مع صحيفة (وول ستريت جورنال) مؤشر الحرية الاقتصادية السنوي لعام 2014م والذي يقيس مستوى الحريات الاقتصادية في (186) دولة حول العالم ويستند على (4) مقاييس رئيسية تتضمن (10 ) دعائم فرعية ، وهذه المقاييس هي دور القانون ودعائمه ومدى احترام حقوق الملكية الخاصة، والحرية من الفساد، أما المقياس الثاني فهو محدودية دور الحكومة في النشاط الاقتصادي ويتكون من حجم الإنفاق الحكومي والحرية المالية، وتأتي الكفاءة التنظيمية كمقياس ثالث يتفرع منها حرية ممارسة الأعمال، وحرية العمل، والحرية النقدية، أما المقياس الرابع فيركز على انفتاح الأسواق ويتضمن حرية التجارة، وحرية الاستثمار، وحرية نشاط التمويل. وهذه التفاصيل عموما تعطي أهمية بالغة للتقرير فهي تفرض تساؤلات حول مدى نجاح الأنظمة الاقتصادية الحالية المعمول بها في السلطنة وتلك التي لا تزال ضمن نطاقات الخطط والاستراتيجيات.
عمان في خانة “الاقتصادات الحرة بصورة معتدلة”
وفي العام العشرين لصدور التقرير استطاع اقتصاد السلطنة أن يحصد (67.4) نقطة من أصل 100 في قراءة المؤشر ليحتل الترتيب الـ(48) عالمياً والسادس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أصل 17 بلدا بتراجع ثلاث مراتب عن العام السابق ، ويأتي هذا التراجع جراء انخفاض مؤشرين فرعيين هما الانفاق الحكومي وحرية العمل ، في المقابل شهدت خمسة مؤشرات من أصل عشرة ارتفاعاً في مستوياتها تمثلت في حرية كلا من الفساد والأعمال والنقد والاستثمار التجارة وبناء على ماذكر من متغيرات فقد صنف التقرير اقتصاد السلطنة خلال ال(19) عاماً الماضية في خانة الاقتصادات الحرة بصورة معتدلة نظراً للدور الذي تقوم به الحكومة في الاقتصاد عبر ملكيتها للعديد من الشركات والمؤسسات الحكومية.
تحسن طفيف في مؤشر الحرية من الفساد وبقاء مؤشر حقوق الملكية على حاله
في المؤشرات الفرعية ذكر التقرير أنه وعلى الرغم من وجود قرار إداري قد صدر في أواخر عام 2012م حول إقرار الذمة المالية للمسؤول إلا أن ذلك لم يدفع مؤشر “دور القانون” إلى تحسن واسع إذ جمع مؤشر الحرية من الفساد (48.2) نقطة بزيادة (0.2) نقطة عن العام السابق كما لفت التقرير إلى أن هناك زيادة ملحوظة في الوعي المجتمعي تجاه قضايا الفساد، وهو التغيير الذي تزامن مع الوعي العام لدى عامة أفراد المجتمع حول أهمية مكافحة أشكال الفساد الحكومي او حتى في الشركات المدعومة حكوميا لضمان حريات اقتصادية وتوزيع عادل للثروات. أما مؤشر حقوق الملكية فقد بقي عند مستوى (50 ) نقطة وهذا يعني أن على الحكومة أن تلعب دوراً أكثر فعالية في حماية حقوق الملكية.
السلطنة تحقق تفوقها في مؤشر الحرية المالية
وعن محدودية دور الحكومة في النشاط الاقتصادي عكس مؤشرالإنفاق الحكومي – والذي يشير إلى درجة اعتماد السلطنة على العملية السياسية لتخصيص الموارد والسلع والخدمات – مستوى مرتفعاً من الاستهلاك الحكومي يقدر بـ( 38%) من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ(32.1%) خلال العام السابق وهذا يعني دوراَ أقل للاستثمار في مؤسسات القطاع الخاص مقارنةً بدور الاستثمارات الحكومية والشركات المملوكة للدولة في توجيه الموارد ، وساعدت عائدات النفط والغاز والتي تشكل ( 84 %) من إجمالي الإيرادات على انخفاض الدين العام إلى أقل من (10%) من الناتج المحلي الإجمالي. في المقابل لفت التقرير إلى عدم وجود ضريبة على الدخل أو الاستهلاك في السلطنة، حيث بلغ العبء الضريبي الكلي (2.2%) من الدخل المحلي الإجمالي، وكلها شكلت نقاط قوة في مؤشر الحرية المالية الذي حقق (98.5) نقطة.
وفي مجال الكفاءة التنظيمية – والذي يحدد إلى أيّ مدى يحدّ العبء التنظيمي من حرية التبادل في أسواق الأعمال والعمال – أشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من أن تأسيس مشروع تجاري في السلطنة يستغرق (5) اجراءات فقط؛ إلا أن استخراج التصاريح اللازمة للبدء تستغرق ( 150 ) يوماً بالإضافة إلى متطلبات رأس المال حيث تصل تكاليفها إلى أكثر من ضعفي معدل الفرد من الدخل السنوي، والجدير بالذكر أن وضع حد أدنى لرأس المال من الشروط الأساسية التي تفرضها القوانين في السلطنة عند البدء في أي نشاط تجاري مع استثناء بعض المناطق الاقتصادية من هذا الشرط. أما مؤشر حرية العمل فقد شهد انخفاضاً في مستواه مقارنة بالعام السابق حيث أن هناك حديث متكرر من قبل معدي التقرير حول أن سياسة التعمين لا يجب أن تقوم على فرض نسب معينة على منشآت القطاع الخاص لأنها تثبط من عملية نمو الوظائف!.
مؤشر الحرية الاستثمارية يقفر لمستوى قياسي جديد
وحول مقياس الأسواق المفتوحة تحسن مستوى الاقتصاد الوطني في مؤشر الحرية الاستثمارية الذي شهد ارتفاعاً كبيراً يقدر ب(15) نقطة بالرغم من المأخذ الدائم على السلطنة في التقارير الدولية والذي يكمن في عدم تملك غير العمانيين الأراضي. كما شهد مؤشر حرية التجارة تحسناً طفيفاً، وبقي مؤشر نشاط التمويل مستقراً، ويبلغ معدل الرسوم الجمركية في السلطنة ( 3.2% ) كما أن القطاع المصرفي يواصل تطوره بالتزامن مع نشاط ملحوظ للمستثمرين في سوق مسقط للأوراق المالية.
ما يؤخذ على التقرير أنه لم يوفر تقييماً لأداء ثلث الدول الأعضاء في الجامعة العربية نظرًا لوجود قيودعلى بعض البيانات، وهي نسبة كبيرة تنال من شمولية البحث ودقته؛ إلا أن هذا لا يمنع من معرفة موقعنا السابق والحالي في الخريطة الاقتصادية والمقارنة بينهما لنتصور مدى التقدم أو التأخر للسلطنة في مستويات الحرية الاقتصادية، ولو قارنا الدرجة التي حصلت عليها السلطنة في المؤشر خلال الخمس سنوات الماضية نجد أن مستواها تراجع بعد عام 2011م بسبب ارتفاع النفقات الحكومية في السنوات الأخيرة، ويمكننا تفهم ذلك إذا علمنا برغبة الحكومة في التقليل من أعداد الباحثين عن عمل وتوفير فرص عمل لهم في القطاع العام (المدني والعسكري).
مأخذ أخر وُجب ذكره في التقرير هو التحفظ المتكرر والدائم حول معضلة نسب التعمين، وعدم الجدوى من فرضها على منشأت القطاع الخاص، وهو مأخذ لا نتفق معه فسياسة التعمين مازالت بحاجة إلى الكثير من العمل لتطبيقها بالصورة الصحيحة، بل يقتضي الصواب إعادة تقييم الأليات المتبعة حالياً للتشغيل بصفة مستمرة، وكذلك العمل على تأهيل القوى العاملة الوطنية للارتقاء بمستوى الإنتاجية مع تعزيز العلاقة بين النظام التعليمي وسوق العمل دون التخلي عن الخطط الوطنية المتفق على تنفيذها.