في عالم السياسة وتاريخ مؤسساتها المديد، لا تبدو لغة الأخلاق مهمة كثيرا، فشراء الذمم وترتيب الجوائز للمثقفين ومنح بعضهم وظائف شكلية، يبقى أحد الأساليب للهيمنة الثقافية، وبندا أساسيا من أركان تزوير صناعة الرضا للسلطة.
اليوم في عهد العصر الرقمي تعيش الشعوب والدول معا في فراغات افتراضية، هنا حيث حلبات اللعب مفتوحة للجميع في الحكم والتحكم، صناعة الرضا بدأت تأخذ طابعا جديدا ومعاكسا؛ ومنها منح المثقف جوائز للسلطة. في العالم الافتراضي وخصوصا في الساحة العربية كثر المراقبون، والعابثون والمضللون، وانعدمت الشفافية وانتصرت حالة الإبهام؛ فالتبس الأمر على التابعين والمتابعين معا.
وخلال العشرين سنة الأخيرة ظهرت على الإنترنت مواقع مريبة لمؤسسات تدعي أنها جامعات علمية تمنح الشهادات العليا، أو اتحادات لوكالات أنباء، أو مؤسسات اقتصادية تشجعنا على الاستثمار فيها، أو منظمات إنسانية ناشطة تدعي أنها غير حكومية محايدة وغير ربحية.
هذا الاستقصاء يبحث حول علاقة المؤسسة المستقلة بالسلطة في العصر الرقمي ويفصل حقيقة إحدى هذه المؤسسات الشبحيّة التي تدعي أنها حقيقية بينما واقع الأمر يقول أن أكثر هذه الؤسسات هي امتداد لِيَد سلطات حكومية قامت بإنشاء هذه الؤسسات فدعمت وجودها وثبتتها في العالم الافتراضي لتستخدمها كأبواق للدفاع عن مصالحها أو انتهاكاتها عند الطلب. إحدى هذه المؤسسات المرتبطة بالعالم العربي هو المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي. والمركز المذكور هو المؤسسة التي منحت السلطان قابوس جائزة الإنسان العربي في ديسمبر ٢٠١٦، والتي تسلمها عن السلطان بالوكالة السيد أسعد بن طارق آل سعيد. خبر الجائزة تم تداوله فقط في الإعلام المحلي العُماني وعلى صفحات لمواقع مماثلة لموقع المركز العربي مانح الجائزة، ولم يتم نقل الخبر من أو عن أي من المؤسسات الإعلامية الكبيرة والمعروفة.
والسؤال هنا لماذا قام المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي بمنح جائزة للسلطان قابوس؟ وماذا عن توقيت الجائزة، هل تم اختياره من قبل المركز العربي الأوروبي عبثا أم أن هناك سببا آخر لتوقيت منح الجائزة؟ وماذا عن الصلاحيات والكفاءات التي منحها المركز لنفسه في اختيار الأشخاص الذين ينتقيهم ليمنحهم الجوائز؟
الموقع الإلكتروني للمركز
يذكر المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي أن لديه فروعا ونشاطات في كل من مصر، السويد، فلسطين، لبنان، الأردن، الجزائر، اليمن، البحرين، الكويت، المغرب، ليبيا، موريتانيا، الصومال، وفي سوريا نجد أن المركز لديه عنوان في شارع المالكي في إدلب دون تفاصيل. وقد قمنا بالاتصال الهاتفي على كل أرقام الهواتف المتاحة على موقع المركز ليتبين أن كل الأرقام وبدون استثناء غير صحيحة ولا تفضي لأي نتيجة أو علاقة بالمركز.
وعلى الموقع الإلكتروني للمركز لا توجد أسماء، لكن بعد البحث أكثر وجدنا عشرة أسماء لأشخاص مرتبطين بالمركز على صفحة وزارة الضرائب النروجية؛ ومن هذه الأسماء: نجوى خطاب، عبدالله محسن محمد، علي يعروب الدورة، باكيزا مجيد أحمد، وحازم محمد الفارس. والناظر لهذه الأسماء يتبين أن مجال نشاطهم وخبرتهم لا يتعدى النشاط العادي لأي فرد ينشط اجتماعيا. حيث لا مرجعية لأي من هذه الأسماء في النشاط الدولي. وترتبط كل هذه الأسماء المذكور بشبكة شخص اسمه إيهان الجاف وهو مدير ومؤسس المركز، الذي سبق وأسس خلال العشر سنوات الأخيرة عددا من المؤسسات في النرويج بحسب صفحة وزارة الضرائب النروجية.
وعند تصفحنا لمحتوى موقع المركز تبين لنا ومن الوهلة الأولى أنه موقع ضعيف الحضور من ناحية الشكل والمضمون. وعندما تعمقنا أكثر في البحث وجدنا أن المواد الإخبارية على الموقع غير محدثة ومنقولة مباشرة من مواقع إخبارية معروفة، ونصوصا وصورا دون مراعة ذكر المصادر أو حقوق الملكية الفكرية لأصحاب المقالات الأصليين. وهذه الظاهرة هي الجامع المشترك بين جميع المواقع الشبحية التي ينتهي بك المطاف عند البحث أكثر فيها الضياع في متاهاتها؛ والنتيجة محتوى فضفاض لا يفضي إلى نتيجة أو شرح أو تفصيل، مما يصيب المتابع بخيبة تدفعه لمغادرة الموقع. ناهيك عن الأخطأ في الترجمة من العربية للإنكليزية والتي لا شك بأنها تمت عبر محرك جوجل للترجمة لما فيها من أخطاء ومصطلحات غير مفهومة.
أما باقي المواد المنشورة على موقع المركز العربي الأوروبي؛ فهي محررة بشكل عشوائي وكلها تقريبا بإمضاء شخص واحد وهو مؤسس المركز، إيهان جاف.
مؤسس ومدير المركز
فمن هو صاحب هذا المركز؟ وما أسباب تأسيسه؟ ومن هي الجهات التي تدعمه وتعطيه الشرعية المؤسساتية والترخيص القانوني؟
مؤسس المركز السيد إيهان جاف مواليد العراق ١٩٦٧، هو صاحب اليد العليا في قرارات المركز. تبين أن المركز هو في الواقع شركة تجارية مسجلة في النرويج تحت الرقم الضريبي VAT ٩٨٩٨٦٢٠٥٧ منذ ١-٦-٢٠٠٦، على العنوان بيونلاندسفاي ٤ب، رقم المحلة ٣٦٦٠، ريوكن، صندوق بريد ١٠٤٧ – النرويج ٣٠٠١ درامين. Www.aechril.org.
وقد قام إيهان جاف بتسجيل أكثر من شركة تجارية وكلها غير نشطة ومتوقفة عن العمل منذ تأسيسها تقريبا بحسب التقرير السنوي لوزارة الضرائب النرويجية. وما زالت أسماؤها ونوع النشاط المرتبط بها موثقا على موقع وزارة الضرائب ولا يمكن حذفه. وكانت أول شركة أسسها إيهان جاف اسمها يورو مديترانين أكادمي للدراسات الإنسانية ورقمها المتسلسل ٩٩٨٧٣٩٧٤٨ وهي أيضا غير نشطة.
عن المركز
كنّا قد سمعنا بخبر الجائزة عبر رسالة على الهاتف عن طريق أحد الناشطين العمانين الذي أرفق مع النص رمزا لوجه غارق من الضحك. لكن بالنسبة لنا لم يكن الأمر مزحة وكان لابد أن نأخذه على محمل الجد والمسؤولية لأنه لا يعقل أن يمنح مركز يحمل اسما عالميا ويدعي الحيادية والمهنية جائزة لحاكم دولة في موقع سياسي ولا يتم مداولة الخبر في الإعلام الدولي أو العربي. حيث اقتصر الأمر على تغطية للتلفزيون العُماني والذي شارك في تكبير الجهة المانحة لتكون بحجم الشخص التي منحت له. ولكن لم يفلح التلفزيون العُماني مع كل المبالغة في تغطيته للخبر في إعطاء الجهة المنحة أي نوع من الشرعية، بل أضاف ريبة أكبر على الموضوع وظهر ذلك جليا في الورقة المقدمة التي قرأها ممثل المركز مشاري بن برجس أمام الكاميرا؛ حيث بدا برجس مرتبكا ومن دون ثقة بالنفس ولم يرافق قراءته للورقة أي لغة جسدية تظهر حماسه للحدث فظهر أمام الكاميرا وكأنه غير مقتنع أو غير ملم بما يقرأ.
والحقيقة أن أسلوب منح الجائزة وطريقة تقديمها كان الدافع حول البحث عن خلفية الجائزة ومانحيها، عن التوقيت والأسباب.
يحاول المركز إعطاء نفسه صفة شرعية فيقوم بتوزيع جوائز على أشخاص له ولهم معه مصالح مشتركة، ويقوم المركز أيضا باختيار أشخاص من الصفوف الخلفية في المجتمع المدني العربي ليتعامل معهم ويتعاملوا معه بهدف تأكيد الذات والوجود محاولين إضفاء نوع من الشرعية على نشاطات بعضهم البعض، مثل مركز “حماية” في مصر و”اتحاد وكالات الأنباء العربية” في الأردن.
ويقدم المركز نفسه في ميادين التواصل الاجتماعي على أن لديه ميثاقا تأسيسيا، ومديرا، وهيئة إدارية ولجانا متخصصة وأعضاء وأمانة سر، ولكن في الحقيقة لا وجود لأي من هذا، لا شفافية ولا بروتوكول تأسيسي حقيقي موثق يحمل أسماء وإمضاءات، ولا ظهور لأي اسم للإداريين أو اللجان أو الموظفين ولا يوجد إمكانية تواصل مع أحد على موقع المركز إلا عن طريق آلية مريبة لإرسال رسالة إلكترونية للمركز وإن أردنا ذلك فسوف يطلب منك أولا أن ترفق صورة من الهوية الشخصية أو من جواز سفرك مع الرسالة الإلكترونية، وإن لم تفعل فسيرفض الموقع أوتوماتيكيا استلام رسالتك. ويتفرد المركز تماما بشرط المراسلات هذا، مما أثار غموضا أكبر.
لذلك قررنا التواصل مباشرة مع مؤسس المركز والجهة التي منحت المركز رقما وإشعارا رسميا ورخصت نشاطاته وهي بلدية أوسلو في النرويج ووزارة الضرائب، التي أكدت أن رقم المركز هو عبارة ترخيص لشركة محدودة النشاط. وقمنا أيضا بإحصاء بعض الأسماء المرتبطة باسم مدير المركز وحاولنا التواصل معهم عبر الهاتف والبريد الإلكتروني لعدة مرات ولكن من دون نتيجة أو جواب على أسئلتنا.
ويحث المركز أيضا على الانتماء والتبرع له عبر موقعه على الإنترنت. وكما هي الحال في أكثر الدول الأوروبية والنرويج طبعا تعطي هذه الدولة الحق لأي مقيم أو مواطن نرويجي بفتح وبتسجيل شركة تجارية ولو أنها مؤلفة من شخص واحد، ويمنح القانون التجاري النرويجي رخصة مزاولة عمل ورقما ضريبيا تجاريا وبإمكان أي شخص أن يتقدم بهكذا طلب والحصول على كل المستلزمات المطلوبة والموافقة عبر الإنترنت في خلال أقل من ساعة. وهي الحال نفسها أن أراد من المواطنين تأسيس وتسجيل جمعيات مدنية أو ناد ثقافي أو تجمع فكري لمزاولة أي نشاط ثقافي، اجتماعي، ديني، أو عرقي. وبإمكان المواطن تقديم طلبا عبر الإنترنت وخلال ساعة يحصل مقدم الطلب على رقم متسلسل واسما ورخصة مزاولة أي نشاط مدني دون مراقبة أو تدخل السلطات في هذه النشاطات إلا ما دخل منها في الجريمة المنظمة. هذه الحالة هي على عكس بعض الدول العربية التي تمنع وتجرم أو تضيق إنشاء المؤسسات المدنية المستقلة كما في عُمان مثلا.
وهكذا فإن السلطات النروجية لا تكترث للعنوان أو الاسم الذي تطلقه الجمعيات أو الشركات على نفسها وطبعا حتى وإن استخدمت الجمعية أو المركز اسم النرويج أو أوروبا بأي شكل من الأشكال فلا بأس ولا مانع. لكن هذا لا يعني أن المركز العربي هنا يمثل أي سلطة رسمية نروجية أو أوروبية إطلاقا؛ فالمركز عبارة عن هيئة محدودة النشاط ومسجلة، تحمل رقما واسما اختاره القيمون عليها التي يُستلزم أن يكون عدد أفرادها عند تأسيسها لا يقل عن ثلاثة. ولا يحق للمركز أو أي جمعية انتحال التمثيل الرسمي باسم الحكومة النروجية لأن هذا يعد تزويرا للحقائق وجريمة يعاقب عليها القانون النرويجي.
ففي عمان مثلاً يمنع القانون من استخدام اسم المدينة أو البلد في نشاطه المدني أو الثقافي؛ فلا يحق لأحد أن يكني فعاليته باسم البلد، مثلا أن يسمي مهرجان مسقط للفيلم الوثائقي. هذا الحق في التسمية تحتكره الحكومة العمانية والتي على مرور عقود من الزمن لم توظفه بنفسها ومنعت المواطن من توظيفه مما أسهم في كبح انطلاقة الفنان والمثقف العُماني وتأخر عمان عن مواكبة النهضة الثقافية في المحيط الخليجي والعربي.
يكرر المركز العربي الاوروبي استخدام الرقم المتسلسل الموجود على موقعه على أنه رقم رسمي مفوض من قبل السلطات النروجية بينما الواقع أن هذا الرقم المتسلسل هو رقم الرخصة الذي منحته بلدية أوسلو للمركز المؤلف من خمسة أعضاء والذين تم ذكر بعضهم أسمائهم في هذا الاستقصاء. ويذكر المركز أيضا أنه منظمة دولية مسجلة في قاعدة البيانات التابعة للأمم المتحدة، لكن قاعدة البيانات هذه هي عبارة عن بوابة إلكترونية للتسجيل الاختياري على موقع الأمم المتحدة في صفحة نظم المجتمع المدني التطوعي، والمجال مفتوح للتسجيل لكل الهيئات التى تعنى بشبكات المجتمع المدني وذلك بدواعي الإحصاءات والإرشادات فقط ولا يعني أن الجمعيات المسجلة تتبع بأي شكل رسمي لمنظمة الأمم المتحدة.
إضافة إلى كل ما ذكر، في التاسع من شهر أكتوبر 2012 نشرت صحيفة الوطن المصرية خبرا عنوانه: “استقالات جماعية بالمركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان لخروج المركز عن أهدافه” ونرفق لكم نص الخبر لما يحمله من مضامين مهمة: “قدم أعضاء المركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي بالقاهرة باستقالات جماعية من المركز، وقال الأعضاء فى مذكرتهم التى قدموها إلى إيهان جاف رئيس مجلس إدارة المركز بالنرويج، أنهم تقدموا باستقالتهم بسبب خروج المركز عن أهدافه وتحوله لمنظمة ربحية. وقال عبدالسلام كمال الدين، مدير مكتب العضوية الدولي بالمركز ومنسق لجان تقصي الحقائق بالمنطقة العربية، لقد قدمنا للمركز الكثير من الإنجازات والخبرات على مستوى مصر والدول العربية، ولم يثبت أن حصلنا على امتيازات أو منافع شخصية، وقد تقدمت باستقالتي من المركز بعدما خرج المركز عن الأهداف التى ينشدها، وتحويل المركز من مؤسسة غير ربحية إلى مؤسسة ربحية، وذلك عن طريق عقد برتوكولات مع أحد مراكز التحكيم فى مصر، ونشر مواد دعائية باسم المركز لجمع أموال تحت ما يسمى “رسوم اشتراك أو رسوم تصديق أو رسوم عضوية” تصل قيمتها إلى 800 دولار. كما أن المركز أعلن عن الالتحاق بعضوية تسمى “اللجنة الاستشارية الدولية” ورسم التحاقها مبلغ 800 دولار علما بإن المركز ليس به تلك العضوية، كما تقدم أيضا باستقالته من المركز أحمد غازي مدير مكتب القاهرة، ومحمد أبو عرب. فيما وافق إيهان جاف رئيس مجلس إدارة المركز قبول استقالة الأعضاء”.
عن الجائزة
على موقع المركز الإلكتروني نقرأ أن المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي أسس جائزة الإنسان العربي سنة ٢٠١١ في أوسلو بالتعاون مع المجلس العالمي للصحافة اليونانية في قبرص. لكن بعد البحث والتقصي تبين أن هذا التعاون لا دليل له خصوصا مع عدم وجود فعلي للمجلس العالمي للصحافة اليونانية في قبرص. ويقول المركز إن الجائزة -التي هِي مجسم نحتي بدون ذكر اسم النحات- هي جائزة دولية لتكريم جهود الدول والمؤسسات والمنظمات والأشخاص الذين ساهموا بفاعلية في مجال تعليم وتعزيز حقوق الإنسان. ويزعم المركز بأن الجائزة من أهم الجوائز العالمية وأن برنامجها يهدف إلى تخفيف حدة التوتر الدولي. ويضيف، الجائزة تمنح مرة واحدة كل عام، وقد منحت لشخصيات بارزة في المجالات السياسية والبشرية والإعلامية والفنية في جميع أنحاء العالم قد استحقت الجائزة.
وفي قرار منح الجائزة وإعلان الفائزين يقول المركز أن هناك آلية عبر استبيان يقوم به المركز من خلال الوسائط المتعددة لمرشحين من 146 دولة وتحولها إلى اللجنة العليا التابعة للمركز التي تمثل هيئة التحكيم الدولية والتي تتكون من مديري الفروع واللجان والممثلين وعدد من المختصين في كل قسم من أقسام الجائزة في جميع أنحاء العالم.
وبعد البحث تبين أنه لا يوجد أسماء لأي من مديري الفروع واللجان أو مديري الأقسام التي يختبئ المركز خلف احترافيتها وتخصصها.
من الضحية.. الحكومة أم الشعب؟
لعقود تعودت مؤسسات السلطات العمانية على أن لا يُسائلها أحد، لكننا من حقّنا أن نتساءل خصوصا عندما تقع السلطات بالخطأ. وهنا نسأل كيف لعمان كدولة، وتلفزيون عمان كمؤسسة صحافية رسمية أن يقعوا في لعبة جمعية بسيطة من الوزن الخفيف وأن يقبلوا بجائزة لرئيس الدولة دون البحث عن خلفية المانحين للجائزة وأهدافهم؟
وما الأسباب والدوافع الحقيقية التي دفعت هذه الجمعية التي تطلق على نفسها اسم المركز العربي الأوروبي ذات العنوان الفضفاض وقد بينا خلفية المركز وموقعه من المؤسسات العالمية المعروفة في تقديم هكذا جائزة تطلق عليها اسم جائزة الإنسان العربي لرئيس دولة مثل عمان؟
للذين يتابعون المشهد العربي والعماني خصوصا يعرفون تماما أن إحدى عشرة مؤسسة عالمية معروفة كانت قد أرسلت مشتركة إلى سلطان عمان مباشرة حول موضوع الحق في حرية الصحافة واستهداف المثقفين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في تاريخ ١٨-١٠-٢٠١٦
وهذه أسماء الؤسسات التي وقعت وأرسلت الرسالة للسلطان:
لجنة حماية الصحفيين، فرونت لاين ديفندرز، مركز الخليج لحقوق الإنسان، مؤشر الرقابة، الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، الاتحاد الدولي للصحافة، نادي القلم الدولي، مراسلون بلا حدود، مركز سكايز للدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية، المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
وبعد أن تبين لهذه الؤسسات حقيقة الواقع القمعي في عمان وبعد خروج عدد من المثقفين العمانيين طالبين حق اللجوء السياسي، قامت هذه المؤسسات بإرسال رسالة مفتوحة للسلطان قابوس شخصيا تطلب منه رسميا بما يلي: التخفيف من القبضة الأمنية على الناشطين والصحافيين والفنانين العمانين وطالبته بتحرير معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين وضمان توقف جهاز الأمن الداخلي عن مهاجمة حرية الإعلام وحرية التعبير والكف عن استهدافه للصحفيين ونشطاء الإنترنت وغيرهم من المدافعين عن حقوق الإنسان، والكف عن محاولة تهجيرهم قسريا من وطنهم، وضمان تمكين جميع المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن في ذلك نشطاء الإنترنت في سلطنة عمان من القيام بعملهم المشروع في المجال الحقوقي في جميع الظروف، وذلك دون خوف من الانتقام ودون أي شكل من أشكال التقييد، بما في ذلك المضايقات القضائية.
ويبدو لنا أنه بعد نشر هذه الرسالة التي شاهدها العالم ورسائل وتقارير أخرى، وربما لم يشاهدها السلطان بنفسه قرر بعض المقربين من السلطان أن يرتبوا جائزة ترقى أن تكون محاولة ردا على الرسالة الواضحة للسلطان من قبل المنظمات العشرة العالمية.
فكان المركز العربي الأوروبي خير شريك في لعبة الجوائز الشبحية وقامت آلة التهويل العمانية الرسمية بإضفاء نوع من الشرعية على جائزة بسيطة وتحويلها إلى خبر وطني لتحصل على ثلاث دقائق ونصف على التلفزيون العُماني. ولكن رغم طباعة وإرسال خبر الجائزة على شكل إصدار صحفي رسمي لعدد من وكالات الأنباء لم يلق الخبر الاهتمام المطلوب.
نعم، هذا كان طرحا بسيطا لحالة جيوسياسية من أحوال الوطن العربي الذي يعيش في عالم افتراضي وهمي حيث يخطل الواقع بالخيال؛ فتتحول الهزيمة إلى انتصار والشر إلى خير والشمولية إلى بطولة.
والسؤال الكبير وبعد طول الشرح كَيْف لسلطة ما في الوطن العربي بعد اليوم أن تقاضي شعوبها إذا ما ادعى أحدهم أنه من أصاحب الإنجازات وحملة الشهادات حتى لو كانت إنجازات وهمية شبحية؟ ولماذا لا يحق للمواطن ما يحق للحكام؟ لن نزيد تاركين للقارئ التأمل والتفكير.
– متابعة: عبيد النوتي