رغم تمتع إقليم “كاشغر” أو ” تركستان الشرقية ” بالحكم الذاتي من قبل السلطات الصينية، إلا أن غالبية سكان الإقليم من المسلمين تعرضوا لاضطهاد عبر عقود عديدة بشكل قد لا يصدقه الكثير من الناس، فالإقليم الذي شهد انفراجة مع بداية الانفتاح الصيني على العالم، نُفذت ضده الممارسات القمعية وبشكل عنيف.
وبحسب “إذاعة آسيا الحرة“، فإنه منذ تعيين تشين تشوانغو، رئيسا للحزب الشيوعي في شينجيانغ في منصبه في أغسطس 2016، بدأ بإجراءات قمعية لم يسبق لها مثيل ضد شعب الأويغور عبر ما يسمى التطهير الأيديولوجي ضد ما يسمى بمسؤولي الأويغور “ذوالوجهين” – وهو مصطلح تطلقه الحكومة على الأويغور الذين لم ينفذوا التوجيهات الشيوعية ضد أبناء جلدتهم بحذافيرها.
وكانت آخر هذه الإجراءات، مطالبة السلطات الصينية من السجناء في المخيمات الردة عن الإيمان بالله والإيمان بالحزب الشيوعي الصيني؛ وفقا لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
ليست الإيجور هي الأقلية الوحيدة في الصين لكن هناك 10 أقليات مسلمة من أصل 56 أقلية في البلاد، حيث يعيش الـ“هوي“(مسلمون صينيون)، والأويغور، والقرغيز، والكازاخ، والطاجيك، والتتار، والأوزبك، والسالار، والباوان، والدونغشيانغ“، بكثافة في شمالي، وشمال غربي البلاد عموما.
يعيش في شينجيانغ ما يقرب من 23 مليون مسلم، بحسب إحصاءات رسمية، في حين تتحدث إحصائيات الأويغور عن أرقام أكبر من ذلك، ويشكل الأزيغور نحو 45% من سكان شينجيانج، في حين تبلغ نسبة الصينيين من عرقية الهان نحو 40%.
بين الصين والإقليم
تسيطر الصين على “تركستان الشرقية” (إقليم كاشغر)، ذات الغالبية التركية المسلمة منذ عام 1949، وتطلق عليه اسم “شينجيانغ“، أي الحدود الجديدة، ويعتبرون السيطرة الصينية “احتلالاً لبلادهم منذ (68) عاماً“، فيما تعتبر الأخيرة، الإقليم منطقة تحمل أهمية استراتيجية بالنسبة إليها، بحسب شبكة “تركستان الشرقية” الإخبارية.
ويشهد الإقليم منذ سنوات عديدة، أعمال عنف دامية، كانت أشدها عام (2009)، وقتل فيها حوالي (200) شخص، وفقًا للأرقام الرسمية، ونشرت الحكومة الصينية منذ ذلك التاريخ، قوات مسلحة في المنطقة، التي ارتفعت فيها حدة التوتر بين قوميتي “الهان” الصينية، و“الأويغور” التركية، وخاصة في مدن “أورومجي“، و“كاشغر“، و“ختن“، و“طورفان“، التي يشكل فيها الأتراك غالبية السكان.
حظر 29 اسما إسلاميا
وأعلنت السلطات المحلية في منطقة “شينجيانغ“، أنها حظرت قائمة أسماء إسلامية، مكونة من 29 اسمًا، تمنع بموجبها الأسر من إطلاق أسماء مثل “محمد” و“قرآن” على أطفالهم حديثي الولادة، وأكدت أنه سيتم منع الأطفال الذين سيتم إطلاق هذه الأسماء عليهم من الحصول على الرعاية الصحية الممولة من الحكومة، ومن التعليم، كما أوردت وكالة أنباء “الأناضول” التركية، وفي وقت سابق، أطلقت السلطات المحلية حملة ضد المظاهر الإسلامية، فمنعت الرجال من إطلاق اللحى والنساء من ارتداء النقاب.
كما اقتحمت قوات الأمن الصينية معاهد لتدريس القرآن الكريم في تركستان الشرقية، بدعوى أنها مخالفة للقانون، وزعمت أنها أنقذت 190 طفلاً كان يحضرون دروسها، بحسب شبكة “الجزيرة” الإخبارية.
وتلجأ العائلات الإيغورية في تركستان الشرقية لإرسال أبناءهم إلى دورات سرية للتعليم الديني، بسبب منع هذا النوع من التعليم من قبل السلطات.
نظام للمراقبة
اختبر مسؤولون صينيون نظاما جديدا لمراقبة سكان إقليم تركستان الشرقية، يعتمد على برمجيات تسمح بتحديد ملامح الوجه والتعرف عليها من مسافة تزيد عن 300 متر، النظام الجديد يستهدف بشكل أساسي أشخاصا تعتبرهم السلطات الصينية مشتبها بهم في الإقليم.
وفي مايو من العام الماضي ذكرت وكالة “أسوشيتد برس” أن السلطات الصينية قامت بتوسيع نطاق عمليات جمع المعلومات الوراثية (الحمض النووي) لسكان إقليم تركستان الشرقية بشكل خاص دون تبرير واضح لذلك الإجراء، في خطوة انتقدتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية.
وفي الشهور الـ12 السابقة على سبتمبر 2017 فقط، أعلن عما يقارب 100 ألف موقع أمني في شينجيانغ. وأُلحِق بكل سكان الإقليم تصنيف “آمن” أو “عادي” أو “غير آمن“، اعتماداً على مقاييس كالعُمر والدين والممارسات الدينية والاتصالات الخارجية. ويُعتقَل أولئك الذين يُعتبَرون غير آمنين، سواء كانوا مذنبين بارتكاب مخالفات أم لا، بصورةٍ منتظمة ويُسجنون دون اتباع الإجراءات القضائية الواجبة.
معسكرات تأهيل
ومنذ أبريل 2017، تم احتجاز الأويغور في معسكرات “إعادة التثقيف” (مراكز التأهيل) في جميع أنحاء شينجيانغ، حيث شكا الأويغور منذ فترة طويلة من التمييز المتفشي والقمع الديني والقمع الثقافي تحت الحكم الصيني إلى الحد الذي وصل إلى منعهم من تغسيل موتاهم، ولا ختان أطفالهم.
وتقدر جماعات حقوق الإنسان الدولية أعداد الأويغور المسلمين الذين يتم احتجازهم بمراكز “إعادة التوعية والتثقيف” في تركستان الشرقية بأكثر من 100 ألف، ووفق فورين بوليسي، فإن التقديرات تشير إلى أنَّ 800 ألف شخص تقريباً، معظمهم من الإيغور (الأويغور)، احتُجِزوا في معسكرات إعادة التعليم.
وفي حين يؤكد المسؤولون الصينيون أنَّ معسكرات إعادة التعليم تلك تمثل مدارس للقضاء على التطرف وتعليم اللغة الصينية وترويج الفكر السياسي الصحيح– أفادت “إذاعة آسيا الحرة” بأنَّ مراكز الاحتجاز مكتظة ويُعامَل المحتجزون فيها معاملة سيئة.
كما يتم اعتقال عشرات الآلاف من الأشخاص في مدينة كاشغر وحدها. ويُذكر أن تلك السجون بالغة الازدحام، ويتم إجبارهم على ترديد أغنيات تمتدح الحزب الشيوعي الصيني، وتشجب معتقداتهم الدينية، كما أن العشرات من المسلمين يجلسون قبالة بعضهم البعض مكبلين بالكلبشات، فيما هم يهتفون في صوت واحد: “عاش الحزب الشيوعي وعاشت الصين“.
تصاعد الانتهاكات
أفادت “إذاعة آسيا الحرة” بأن القوات الصينية اعتقلت 20 امرأة مسلمة في مدينة كورلا، وسط تركستان الشرقية؛ بتهمة المشاركة في تغسيل الأموات، وأشارت الإذاعة إلى أنه تم إرسال النساء الموقوفات إلى ما يسمى بـ“مراكز التأهيل” أو “مراكز التوعية“، وهي مراكز احتجاز تحتجز فيها الصين قسريًّا الآلاف من المسلمين، وتمارس بحقهم أعمال اضطهاد وتعذيب، وذكرت الإذاعة أن قوات الشرطة في مدينة كوناس بولاية إيلي اعتقلت السيدة ‘مهر آي جمعة‘ (٣٨عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال، بتهمة تلقي مكالمة هاتفية من أخيها الذي يعيش خارج البلاد.
شهادات مروعة
في حين نشر موقع “بوشون” باللغة الصينية بتاريخ ٢٦ مارس ٢٠١٨م بأن المسلمين الأويغور يتعرضون في المعسكرات لاضطهاد لا يمكن لبشر استيعابه، وذكر أحد الذين تم إطلاق سراحه من المعسكر بأن المعتقلين: يأكلون أحشاء الخنزير، ويتم إجبارهم بشرب الخمر يوميا ولو جرعات قليلة، وعليهم الاستماع لأغاني صينية لساعات، ويقدر عدد المعتقلين فيها أكثر من مليون مسلم، يمنعون من الصلاة والصيام، ولا يسمح لهم بزيارة أقاربهم ولا يكشف مكان تواجدهم لأسرهم.
وتسرب معلومات من بعض المسئولين في تلك المعسكرات بأن السلطات الصينية ترسل جميع شباب ونساء الأويغور أعمارهم مابين١٦– ٥٠ إلى تلك المراكز ويبقونهم لمدة سنة أو أكثر.
وفي يناير2018 ، قال مشروع الأويغور لحقوق الإنسان (UHRP) إنه علم بوفاة الباحث الإسلامي الأويغوري البارز محمد صالح حاجم في مركز احتجاز الشرطة الصينية، بعد حوالي 40 يوماً من احتجازه في أورومتشي إلى جانب أقارب آخرين، ولم يتضح ما إذا كان محتجزًا في سجن أو معسكر لإعادة التثقيف في ذلك الوقت.
المجتمعات الإسلامية الصامتة
وسط هذه الحملة المدعومة من الدولة ضد الأويغور، يقف القادة والمجتمعات المسلمة حول العالم صامتين. وبينما يثير مصير الفلسطينيين الغضب والمقاومة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ووقف الملايين لإدانة اضطهاد الروهينجيا، لم يكن هناك صوت باسم الأويغور. لم يصدر أي رئيس دولة إسلامية بيانًا عامًا يدعم الأويغور، السياسيون والعديد من الزعماء الدينيين الذين يزعمون أنهم يتكلمون باسم الإيمان يصمتون في وجه القوة السياسية والاقتصادية للصين، وفقا لمجلة “فورين بوليسي‘‘.
وقال بيتر إيروين ، مدير مشروع في مؤتمر الأويغور العالمي: “لقد كان أحد العوائق الأساسية لدينا هو الافتقار الواضح للاهتمام من الدول ذات الأغلبية المسلمة“، فيما قال عمر كانات، مدير مشروع الأويغور لحقوق الإنسان: “إنه موثق جيدًا جدًا“. وقال: “إن حكومات الدول ذات الغالبية المسلمة تعرف ما يحدث في تركستان الشرقية” ، مستخدمًا المصطلح الأويغوري للمنطقة.
في السنوات الأخيرة، عززت العديد من الحكومات الإسلامية علاقتها مع الصين أو حتى خرجت عن طريقها لدعم اضطهاد الصين. في الصيف الماضي ، قامت مصر بترحيل العديد من الأويغور العرقيين إلى الصين، حيث واجهوا فترة سجن شبه مؤكدة، وربما الموت. تبع ذلك تحركات مماثلة من ماليزيا وباكستان في عام 2011.
وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الكيفية التي تتفاعل بها هذه الدول مع أخبار التحيز ضد المسلمين من قبل الغرب، وخاصة إسرائيل. أثارت الأحداث في غزة احتجاجات في أنحاء العالم الإسلامي، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً في بنجلاديش وإندونيسيا البعيدة.
لكن الاضطهاد الوحشي والصريح ضد أقلية الأويغور المسلمة لم يحظ بأي تفاعل أو رد، حتى مع انتشار الحملة إلى الأويغور في شتات جميع أنحاء العالم.
جزء من الجواب هو أن محادثات المال جعلت من الصين شريكًا تجاريًا رئيسيًا لكل دولة ذات أغلبية مسلمة، فالعديد منهم أعضاء في بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوي بقيادة الصين أو يشاركون في مبادرة الحزام والطريق الصينية.
في جنوب شرق آسيا، أصبحت الصين سوقا رئيسيا للسلع مثل زيت النخيل والفحم. وتستفيد منطقة الشرق الأوسط من مكانة الصين كأكبر مستورد للنفط في العالم واستعمالها المتزايد للغاز الطبيعي.
وقال سيمون فان نيوينهويزن، خبير العلاقات الصينية الشرق أوسطية في جامعة سيدني للتكنولوجيا: “أصبحت العديد من الدول في الشرق الأوسط أكثر اعتمادا اقتصاديا على الصين“. “لقد أسفرت استراتيجية الصين الاقتصادية عن التأثير السياسي“.
وقال دون مورفي الخبير في العلاقات بين الصين والشرق الأوسط في جامعة برينستون: “لا أعتقد أن هناك خوفًا مباشرًا من العقاب أو الخوف من الضغط“. “أعتقد أن نخبة هذه الدول المختلفة تدرس مصالحها، وهم يتخذون قراراً بأن استمرار وجود علاقات إيجابية مع الصين أهم من طرح قضايا حقوق الإنسان هذه“.
المستقبل أكثر قتامة
تضم مخيمات الاعتقال ما يصل إلى مليون سجين في الصين، من الطلاب والموسيقيين والرياضيين والأكاديميين المسالمين، المعتقلين من دون محاكمة، وأشارت إلى أن المعتقلات تحظى بمراقبة ضخمة بتكنولوجيا عالية، وأن أجواء كهذه تشير إلى أن مستقبل أكثر من 12 مليون من الأويغور، وهو الأقلية المسلمة الناطقة بالتركية في الصين، يبدو أكثر قتامة.
وفقا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، تواصل السلطات الصينية حملة قمع وحشية في شينجيانغ، المنطقة الشمالية الغربية من الصين التي هي موطن الأويغور، وحتى المساجد في المدن الكبرى كاشغر وأورومتشي الآن خالية، ويطلب من السجناء في المخيمات نبذ الله والإيمان بالحزب الشيوعي الصيني، كما أن الصلوات، التعليم الديني، وصوم رمضان يتم تقييدها أو حظرها بشكل متزايد. حتى في بقية أنحاء الصين، يتم تجريد المباني العامة من النصوص العربية، ويتم تشجيع الإسلاموفوبيا من قبل السلطات الحزبية بشكل ضمني.