كتب الباحث الاقتصادي صباح نعوش في البيت الخليجي للدراسات والنشر تقريرًا حول العجز المالي في عُمان، وأهم ما جاء فيه: أن النفقات العمانية على القطاع العسكري تعادل أكثر من خمسة أضعاف المعدل العالمي، وأن الإحصاءات الأخيرة للبنك العالمي تصنف عمان في المرتبة العالمية الأولى في الإنفاق العسكري نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، كذلك بلغت القيمة الفعلية للدعم الحكومي 502 مليون ريال في عام 2017 وهذا لا يشكل سوى 4.1% من النفقات العامة فقط في حين تمثل النفقات العسكرية 28.5% من الإنفاق العام.
وقال نعوش أن: “العجز المالي في عمان مرتفع حسب المقاييس العالمية المعروفة، وهذا العجز ناتج عن المصرفات العسكرية بشكل خاص ناهيك عن ارتفاع العجز الفعلي مقارنة بالعجز التقدير، مبينًا أن السلطات العامة اتخذت عدة إجراءات لمعالجة العجز المالي لكنها غير كافية كما هو حال الخصخصة التي تؤدي إلى تدهور مستوى معيشة المواطنين نتيجة تزايد العب الضريبي”.
وأكد نعوش: أن الفرق بين المبالغ التقديرية والمبالغ الفعلية يوضح مدى دقة الميزانية، مؤكدًا أنه يصعب تقدير الإيرادات العامة لارتباطها بالعوائد النفطية أي بمصدر يعتمد على عوامل ليست فقط داخلية بل كذلك خارجية، لكن في عمان تتبين بوضوح هذه الصعوبات ولكن باتجاه واحد وهو ارتفاع العجز الفعلي مقارنة بالعجز التقديري، أي الحصول على إيرادات فعلية تقل عن الإيرادات التقديرية من جهة وإنفاق أموال تفوق الأموال المقدرة من جهة أخرى.
وأضاف نعوش: يقتصر القطاع العسكري على الاستهلاك لعدم وجود صناعات محلية للأسلحة وبالتالي لا يخلق فرص عمل للمواطنين ولا يسهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية خاصة النمو؛ لذلك تضطر الدولة إلى استيراد مختلف المعدات العسكرية، وهكذا ترتفع النفقات العامة الجارية وكذلك فاتورة الاستيراد. الأمر الذي يقود إلى تزايد عجز الميزانية العامة والميزان الجاري. وتتبين خطورة النفقات العسكرية من خلال العلاقات التالية: علاقة الإنفاق العسكري بالناتج المحلي الإجمالي. تنفق عمان3.8 مليار ريال في السنة للدفاع والأمن. أي ما يعادل 12.7 من الناتج المحلي الإجمالي. في حين لا يتعدى المعدل العالمي 2.2%. تعادل النفقات العمانية إذن اكثر من خمسة أضعاف المعدل العالمي، ويلاحظ أن الإحصاءات الأخيرة للبنك العالمي تصنف عمان من حيث هذه العلاقة في المرتبة العالمية الأولى.
وبين نعوش أن الإنفاق العسكري العماني يعادل المصروفات الاستثمارية لجميع الوزارات بما فيها مصروفات إنتاج النفط والغاز الطبيعي. ويعادل هذا الإنفاق ضعف مصروفات وزارتي الصحة والتعليم، وعلاقة الإنفاق العسكري بالمصروفات العامة. تمثل النفقات العسكرية العمانية 28.5% من النفقات العامة الكلية. وهذه أيضاً نسبة عالية في المقاييس العالمية.
وأشار نعوش إلى أن الديون الخارجية ارتفعت نتيجة تفاعل عاملين: العجز المالي وعجز الميزان الجاري.
وحسب تقرير البنك المركزي العماني انتقل حجم الديون من1.5 مليار ريال في عام2014 إلى 11.1مليار ريال في عام 2017 أي من 5% إلى 40 % من الناتج المحلي الإجمالي. ووفق بعض التقديرات (وكالة موديز للتصنيف الائتماني مثلاً) أصبحت هذه النسبة 60 % في عام 2019 أي حوالي 17 مليار ريال.
يترتب على هذا التطور تصاعد فوائد الديون التي انتقلت من 141 مليون ريال في عام 2014 إلى 478 مليون ريال في عام 2017 ثم إلى 618 مليون ريال في عام 2018. دخلت الميزانية العامة في حلقة مفرغة: يفضي العجز المالي إلى اللجوء المتزايد للقروض الخارجية التي تنقلب إلى نفقة عندما يحين موعد سدادها فيرتفع من جديد عجز الميزانية. ويزداد مرة أخرى اللجوء إلى القروض الخارجية وهكذا. في هذا الإطار كلما زادت خدمة الديون هبطت النفقات المخصصة للتوظيف والدعم والاستثمار. وكلما زادت خدمة الديون ارتفعت الضرائب. وبالتالي تسهم الديون مساهمة فاعلة في تدهور مستوى معيشة المواطنين.
يذكر أن صباح نعوش يعمل باحثًا في القضايا الاقتصادية بفرنسا، وكان قد عمل أستاذاً بجامعة الملك الحسن الثاني بالدار البيضاء خلال الفترة 1978 – 1988، كما حاصل على درجة دكتوراه في المالية العامة من جامعة بواتيه في فرنسا عام 1977. نشر له كتب عديدة منها: المالية العامة ومالية الدول النامية (الدار البيضاء: دار النجاح، 1983)؛ والمنظمات العربية الاقتصادية (الدار البيضاء: شركة النشر والتوزيع المدارس، 1986)؛ والضرائب في الدول العربية (بيروت المركز الثقافي العربي، 1987)؛ وأزمة المالية الخارجية في الدول العربية (دمشق: دار المدى، 1989).