مع بداية العام 2020 تحول فيروس كورونا المستجد المعروف علميا بـ”كوفيد-19″ إلى وباء عالمي بدأ يعصف بالمجتمعات الإنسانية دولة وراء أخرى مسببا أزمات كبرى في المنظومة الصحية وعلى الصعيد الافتصادي. في شهور قليلة اختلف العالم الذي نعرفه، عالم العولمة، والذي يوصف بالقرية الصغيرة منذ بداية الألفية الحالية. بدأت الدول تنعزل وتغلق حدودها، فُرضت قيود على التبادل التجاري لبعض المنتجات الحيوية دوليا، أغلقت مراكز التجمع الإنساني من مقاهٍ ومطاعم أندية رياضية واجتماعية ودور عبادة، وطبقت أغلب الدول حجرا منزليا دائما أو مؤقتا على مواطنيها والمقيمين فيها، ونودي بالتباعد الاجتماعي بين بني البشر للمرة الأولى منذ ظهور فكرة العولمة وتطبيقاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بات التباعد الاجتماعي هو طوق النجاة الوحيد في عالم يسوده التواصل الاجتماعي وينادى بأهميته. لكل أزمة جوانبها السلبية والإيجابية، وأمام كل تحد كبير تظهر الأسئلة الكبرى والسؤال الذي يشغل بال الجميع الآن هو هل سيعود عالم ما بعد كورونا إلى ما كان عليه أم نشهد تغييرات كبرى؟. في هذا الصدد التقت مواطن كلا من الناشطة السياسية دكتورة شيخة الجاسم أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت، والمستشار الاقتصادي الدكتور جاسم حسين، والباحث العماني محمد العجمي للوقوف حول أبعاد الأزمة وما ينتظر العالم مستقبلا بعد زوال غمة الوباء.
متابعة محمد هلال
- د. شيخة الجاسم: لا نستطيع أن نحدد نوع وعمق هذا التغيير حاليا، غير أن هناك قدرًا مهمًّا من الصدمة قد وقع فعلا
- د. شيخة الجاسم: أزمة كورونا جعلتنا نواجه المشكلات التي كانت مخفية
- د. جاسم حسين: الدول التي حققت نجاح أكثر من غيرها تمكنت من ذلك بفضل تطبيق مبادئ الحوكمة والحكم الصالح
- محمد العجمي: من الوارد جدا أن يكتشف الكثيرون جوانب مخفيّة داخل شخصياتهم نتيجة هذه العزلة
- د.جاسم حسين: تطبيق قيم العولمة يصب في مصلحة الجميع في كل الظروف.
شكل العالم ما بعد كورونا
يرى محمد العجمي أن العالم بعد جائحة كورونا ليس هو العالم قبله. قد لا نستطيع أن نحدد نوع وعمق هذا التغيير حاليا، غير أن هناك قدرًا مهمًّا من الصدمة قد وقع فعلا، والسؤال بالتالي ينتقل إلى ماهية هذا التغيير وكيف يمكن أن نتعامل معه. وأول أشكال هذا التغيير كما كتب أكثر من شخص، ومن ميشال فوسيل؛ هو في الطلب الذي سيرتفع كثيرا على الفلسفات الروحية المختلفة، وهذا سيأتي كنتيجة طبيعية لتوغّل الحياة المادية التي يبدو أنها لا تقدم ما يكفي للإنسان المصدوم أو الإنسان الذي يواجه مصيرا مجهولا. أشكال من الرواقية أو البوذية أو الصوفية أو الكنفوشيوسية، سيكون لها حضور أكبر بعد كورونا. الأديان هنا تستطيع أن تقدم الكثير أيضا، ولكن هذا يعتمد على قدرة خطاباتها على مواكبة الحدث. الشكل الثاني للتغيير والذي أشار إليه ميشيل أونفري وآخرون وهو أنّ الجائحة ستبرز المزيد من عوارات الرأسمالية، والمزيد من الصراع الطبقي وعدم التضامن. أونفري هنا يعتبر العمل عن بعد مؤشرًا على ذلك، فالأغنياء هم من سيستطيع العمل عن بعد لأن الرأسمالية وفّرت لهم أسباب ذلك، أما الفقراء سيعدّون القوارض في أقفاصهم بحسب تعبير أونفري. سلافوي جيجك يؤكد هذا التغيير، ولكنه يعتبر ذلك فرصة جديدة للرأسمالية لإصلاح عيوبها الهيكلية، وبالتالي الحاجة إلى الزج بالمزيد من البحوث والدراسات لشكل جديد من النظام الاقتصادي. هنري كيسينجر في مقاله حول الأزمة يصفها باللحظة السريالية؛ أي ما فوق الواقع أو ما بعد المنطق، وهنا يؤكد على أن الجائحة ستؤكّد أكثر على استعادة التعاون والتضامن الدولي لتجاوز الآثار التي ستنجم عنها، فالمعركة القادمة بحسب كيسينجر ستكون فكرية طاحنة بين العقول فيما بين الدول. أشكال أخرى عديدة من التغيير يمكن التفكير فيها بشكل تنبؤي على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات والدول والمنظمات الدولية. الخوف يلعب هنا دورا بارزا في تسريع وإبراز هذه الأشكال؛ كونه سيتحوّل تلقائيا إلى مشاريع يستثمرها الأقوياء أو الأذكياء بغرض التحكّم وكسب أسباب القوة. أتحدث هنا بطبيعة الحال عن سياسة الخوف؛ فمن سيدير مسلسل الخوف؟ فأن تصحو فجأة لتكتشف أن الدولة تطلب منك التعاون من أجل تجاوز الخوف، وأن الدول يجب أن تتعاون جميعا لتجاوز الخوف؛ يكشف عن أن موضوعات الخوف كثيرة، وأنه لا وجود لمركز حقيقي يدير هذا الخوف. وبالتالي من كان يدير سابقا سياسة الخوف ويوظّفها لخدمة مشاريعه؛ هو نفسه أصبح موضوعا للخوف؛ الذي يعود إلى أصله الكامن داخل غريزة البقاء، وبالتالي فهو ليس في حقيقته مشروعا واحدا، فالفرص متاحة للجميع لتشغيل هذا الخوف في السوق الاقتصادي والسياسي والثقافي.
وترى شيخة الجاسم أن أزمة كورونا جعلتنا نواجه المشكلات التي كانت مخفية، فمثلا في الكويت ودول الخليج رأينا أزمة الإقامة المشتراة مقابل أموال وليس من أجل عمل دائم، ويمكن تسميتها أزمة الاتجار بالبشر، فمع توقف الأعمال لم يجد هؤلاء المغتربون قوت يومهم ولم تجد البلدان المضيفة كالكويت تعاونا من بلدانهم كالهند ومصر لاستقبال رعاياهم المخالفين للإقامة، وبدأت الدول الخليجية تواجه مشكلات دبلوماسية وأمنية، لذلك فهي تعتقد أن هذه الأمور سوف يتم تسليط الضوء عليها بعد انتهاء أزمة كورونا، وستعمل الدول الخليجية على فحص إقامات العمل لديها والتدقيق فيمن يستحق الإقامة وما ضرورة إقامته في البلاد، كما تعتقد أن الدول ستتجه إلى مزيد من التوطين في بعض الصناعات الحيوية، كالرعاية الصحية مثلا.
التعامل العربي مع الأزمة
ترى د. شيخة الجاسم أن الدول القوية اقتصاديا في المنطقة العربية كانت أفضل في التعامل مع الرعاية الصحية والاجتماعية والاقتصادية لمواطنيها، فمثلا دولة الكويت وبسبب تنويع مصادر الاقتصاد بين مزيج من النظامين الاشتراكي والرأسمالي، وخضوع قطاعات كالمنافذ الغذائية للدولة، كل تلك الأمور ساعدت في احتواء الأزمة.
أما محمد العجمي فليس متأكدا إلى أي مدى يمكن أن نثق في المعلومات التي تقدمها الأنظمة بالدول العربية وهي تكاد تحتكر المعلومات التي يتم تداولها داخليا وتسويقها خارجيا. غير أن النظر إلى البيانات الحالية ربما يعكس مؤشرا إيجابيا فمجموع الإصابات في كامل الدول العربية لا يكاد يصل إلى أربعين ألف إصابة مؤكدة، وعدد الوفيات لم يصل إلى الألف بعد، وهذا أقل بكثير من دول جارات لنا كإيران وتركيا. من الممكن تفسير ذلك على أكثر من نحو، ولكن ما يهم هنا ليس تأويل هذه الأرقام، بل التأكيد على أن المشكلة الاقتصادية تبدو أنها هي الأعمق من بين آثار الجائحة على بلداننا. تتربع السلطنة ومعها دول الخليج والمغرب وتونس على رأس أنظمة الرعاية الصحية عربيا مع مراكز عالمية متقدمة؛ بحسب تقريرمنظمة الصحة العالمية، ولكن هذا لا يعني كثيرا عندما نعرف أن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ضمن أفضل عشر أنظمة صحية عالميا. ربما هنا من الأفضل أن نركز على مسائل من قبيل البدائل المتوفرة في حالات الأزمات كهذه الأزمة، والتي كشفت عن نقاط ضعف عديدة في دولنا يتعلق بمسألة التعاون البيني في مجال تبادل السلع، وقضية الاكتفاء الذاتي، وتصنيع المستلزمات الصحية، والاستفادة من الفرص الاقتصادية التي تولّدت عن الأزمة، ومجالات البحث العلمي والتقني. الأكثر ذكاءً هنا هو الذي ينجح.
هل يتجه العالم إلى إجراءات أكثر شمولية أو اشتراكية
يرى الخبير الاقتصادي د. جاسم حسين أن الأمر غير متعلق بالنموذج السياسي والاقتصادي للدولة، فغالبية الأنظمة واجهت تعقيدات في التعامل مع الأزمة. والدول التي حققت نجاحًا أكثر من غيرها مثل تايوان وسنغافورة والسويد تمكنت من ذلك بفضل تطبيق مبادئ الحوكمة والحكم الصالح وليس بالضرورة النموذج السياسي والاقتصادي. ويعتقد د. جاسم أن الوباء عزز من أهمية التعاون الدولي أكثر من قبل للقضاء على تحديات العصر بغض النظر عن النموذج المطبق سواء كان رأسماليًّا أو اشتراكيًّا أو شموليًّا.
أما د. شيخة الجاسم فترى أن العالم بعد كورونا سيعمل على إعادة النظر حول القطاعات التي تخضع للقطاع الخاص وما القطاعات التي يجب أن تبقي خاضعة للدولة.
من جانبه يرى محمد العجمي أن ذلك سيرتبط بشكل أساسي؛ بحجم الصدمة وحجم الخسائر والتضحيات التي سيشعر الإنسان أنه قدّمها. إلى أي مدى الدولة أو المنظمات الدولية أو النظام العالمي ساعدت في تجاوز الأسوأ؟ وبالتالي أي مستوى من التضامن الجماعي سيحتاج إليه لاحقا؟ البعض يطرح فكرة أن الصين تجاوزت الأزمة وهي نظام شمولي مفرط في قبضته على كافة مفاصل الحياة بالصين، في مقابل فشل الديمقراطيات الغربية العريقة؛ مع التزايد المتسارع لأعداد الاصابات والوفيات هناك. ولكن في رأيي هذا ليس سببا كافيا لتفضيل الأنظمة الشمولية. هناك هشاشة حقيقية فعلا في هذه الديمقراطيات، وهم يعترفون بها، وهناك أطروحات سابقة في الفلسفة السياسية عن أشكال جديدة من الديمقراطية؛ كالديمقراطية التداولية عند هابرماس وآخرين. أزمة كورونا ستعجّل في تحويل هذه النظريات الفلسفية إلى مشاريع حقيقية على الأرض. المفكر الفرنسي مارسيل غوشيه سيعتبر أزمة كورونا فرصة للديمقراطيات الغربية للتغلب على هشاشتها الحالية عبر استعادة فكرة التلاحم الجماعي الذي تلقّى ضربات موجعة بسبب نمو الفردانية التي غذّتها الدولة الرأسمالية بشكل مفرط. كما أن الأزمة بالنسبة لغوشيه تكشف عن ثغرة كبيرة في العولمة الحالية، وباتالي فهو يتنبأ بأنه في النهاية ليس سوى السيادة الوطنية ما يحمي الشعوب وليس الحدود المفتوحة. جورج أغامبين؛ الفيلسوف الايطالي، يطرح فكرة “حالة الاستثناء” في تحليله للجائحة. وهي أن الأنظمة السياسية ستستفيد من هذه الأزمة لتبرير أهمية العسكرة والأمننة لتجاوز الأزمة. السيطرة وتقييد الحريات ستصبح مبررة جدا في المستقبل. ولكن ذلك يتم عبر التحوّل التدريجي من الضبط الخارجي إلى الانضباط الداخلي الطوعي. طبعا أغامبين هنا يتحدث عن ما يُسمّى “حالة الاستثناء”. وهي فكرة يشتغل عليه فلاسفة ما بعد الحداثة بكثافة. ينطلق أغامبين في ذلك عبر طرح فكرة التمييز بين كورونا الفيروس الذي لا نعرف بعد كيف نتعالج منه وكوررنا الصورة التي تتحكم فيها أنظمة سياسية واقتصادية وإعلامية، وتقدمها لتسريع عملية الانضباط الداخلي؛ استعمال الصورة كأيديولوجيا هنا. بشكل عام تبدو مسألة انهيار الليبرالية وصعود الأنظمة الاشتراكية؛ تفاؤل مستعجل لدى البعض، والأرجح هو المزيد من الإصلاحات التي ستهدف إلى تشجيع التضامن الداخلي عبر تقليل الفردية. الألماني بيتر سلوتردايك له كلام كثير من هذا القبيل في مقالاته حول الجائحة.
التباعد الاجتماعي كعامل مؤثر في سلوك البشر
ترى شيخة الجاسم أن التباعد الاجتماعي جعل الناس يجلسون أمام أنفسهم ويراجعون عاداتهم، لكن بفضل تكنولوجيا الاتصالات لم تقطع أواصر التواصل بين البشر.
من جانبه لا يعتقد محمد العجمي أن الجميع مهيأ أو مستعد لهكذا عزلة طويلة. البعض لا يستطيع أن يبقى بضعة أيام فضلا عن عدة أشهر، لهذا من الوارد جدا أن يكتشف الكثيرون جوانب مخفيّة داخل شخصياتهم نتيجة هذه العزلة. ولكن إما أن تظهر في صورة مشاكل نفسية وإما في صورة مراجعات داخلية واكتساب عادات ومهارات ومعارف جديدة. تحدثت كاثرين مالابو؛ الفيلسوفة الفرنسية، عن الوحدة داخل العزلة، وتقصد بذلك تكوّن مفهوم لإيجاد مساحة شخصية داخل العزلة المفروضة. في كل لحظة نحن نبحث عن المساحة الخاصة التي لا يشاركنا فيها أحد. الانتقال من التفكير في ما الذي أحتاجه من الآخرين، إلى ما الذي لا أحتاجه من الآخرين. هذا سيرتبط بطبيعة الحال: ما الذي يمكنني فعله في هذه العزلة؟ الكتابة؟ القراءة؟ مشاهدة الأفلام والمسلسلات؟ الزراعة المنزلية؟ تعلم لغة جديدة؟ اكتشاب مهارات جديدة؟ وهكذا أركّب عالما خاصّا بي داخل العزلة المفروضة عليّ أصلا. مقاومة العزلة بمزيد من العزلة؛ بالوحدة كما تسميها الفيلسوفة الفرنسية. العزلة هنا ستكون بمثابة الفرصة لمراجعة الحدود التي ترسم معالم الهوية الفردية؛ وربما الجماعية أيضا. هذا سيرتبط بحجم التضحيات التي نقدمها في معركتنا الفردية والجماعية مع كورونا. ما الخسائر التي قدمها الفرد من راحته ومستوى رفاهيته وعاداته اليومية وربما من أحبابه وعلاقاته؟ أشير هنا إلى الكسر الذي وقع في الحياة المعتادة، والذي سيترتب عليه بالضرورة تغيرات مختلفة في الثقافة الفردية عن العناية والصحّة والممارسات الدينية وعادات التسلية والترفيه. ماذا يعني إغلاق الجوامع وإيقاف صلوات الجماعة والدروس والمواعظ؟ بات الجميع يصلّي في بيته؛ لماذا لم يكن ذلك من البداية؟ وكيف سيتشكّل وعي أطفالنا وهم يشاهدون أن المدارس أغلقت وفي نفس الوقت عليهم أن يلزموا بيوتهم؟ وماذا عن توقفنا عن كافة أنشطة المشاركة الجماعية والجامعات وجزء كبير من الحياة الاقتصادية؟ هذا الكسر في نمط الحياة نحن نتحمّل نتائجه. وبالتالي فلا بدّ أن تتشكّل مفاهيم جديدة عن الفردية، وهي مفاهيم سترتبط بشكل أساسي بتشكّل فردانية جديدة تدرك أهمية مساحتها الخاصة، وفي نفس الوقت أين ومتى يمكن أن نشارك الآخرين هذه المساحات.
هل يتأثر الاقتصاد بتلك الأزمة؟ هل ستتجه الدول مستقبلا نحو شكل أكثر وطنية واكتفاء ذاتيا على حساب الاقتصاد المعولم؟
يرى الخبير الاقتصادي د. جاسم حسين أنه ليس من الصواب التوجه نحو الاكتفاء الذاتي والتركيز على المنتج الوطني، لأن ذلك من شأنه إلحاق أضرار اقتصادية كبرى؛ فهكذا توجه يكون عادة على حساب الكلفة والاستخدام الأفضل للثروات؛ فوضع إمكانيات مالية ضخمة في قطاع معين يترجم إلى حرمان قطاعات أخرى من التمويل. ويكمل د. جاسم أنه لا مناص من التركيز على مواطن القوى مع عدم حرمان الاقتصاد من جلب واستيراد المنتجات والسلع من الجهات التي تتمتع بوضعية أفضل من حيث السعر والنوعية. فتطبيق قيم العولمة يصب في مصلحة الجميع في كل الظروف.
من جانبه محمد العجمي يقول: بالرغم من أنني لست مختصا بالاقتصاد ، وربما لا أعطي هذا السؤال حقه، ولكن يمكن قراءة بعض المتغيرات داخل الدولة؛ أقصد سلطنة عمان هنا طبعا، بما يكشف عن إدراك واقعي لوجود نقاط ضعف وثغرات حقيقية في بنية الاقتصاد الوطني؛ تجتهد الحكومة على معالجته عبر الآليات والمبادرات الجديدة التي تضخها في السوق. هناك تعاطف معين ملحوظ بين الحكومة والشعب في هذا الشأن، والذي أرى أنه يمكن استثماره بأكثر من شكل لتعزيز إمكاناتنا في الاكتفاء الذاتي. وخصوصا أن الجائحة كشفت عن أن الجميع يكرّس الحدود في الأزمات والانعطافات الخطيرة، هكذا فلا يجب أن يعوّل الواحد إلا على الداخل. لعل أبرز ما يمكن ملاحظته هنا هو النموّ الواضح لما يسمى بالاقتصاد المعرفي، وهو ذلك المرتبط بتحوّل المعرفة نفسها إلى سلعة اقتصادية متبادلة ومستدامة، وهنا تحديدا أشير إلى تطبيقات الهاتف والعمل عن بعد والطباعة ثلاثية الأبعاد وصناعة الترفيه والفيديو. هناك رأسمال محلّي يتكوّن ويتراكم فعلا في هذا الشأن. الابتكار والإبداع والتعليم والذكاء الاصطناعي كل هذه ستكون العمود الفقري لهذا الاقتصاد القديم/الجديد. سنعيد التفكير كثيرا في العولمة ومنتجاتها، وسنفكر كثيرا بأن الحدود ضرورية لحماية الهويّة بما تشتمل عليه من مكونات ثقافية واقتصادية واجتماعية.