إن أزمة الأخصائيون الاجتماعيون من الأزمات التي قلما يتم التطرق إليها ومناقشتها مناقشة جدية وفاعلة من قِبَل المؤسسات المكلفة بتشغيل العاطلين من هذه التخصصات، فهذه الأزمة بدأت منذ 2013 عندما تم إيقاف تشغيلهم في المؤسسات الحكومية بل وتم تشغيل الذين لا يحملون شهادة هذا التخصص وهذا الأمر ليس مقتصراً على المؤسسات الحكومية فقط بل يمتد إلى القطاع الخاص الذي لم يحدد معايير معينة في تشغيل الأخصائيين الاجتماعيين بما في ذلك التخصصية والتعمين، الأمر الذي أدى لسلسلة مطالبات متتالية منذ 2013 وحتى الوقت الراهن مع ارتفاع مستمر لوسم: #مولاي_اجتماعيون_مهمشون، ووسم: #اجتماعيون_بلا_وظائف.
وفي سياق هذه المطالبات المستمرة استجابت وزارة القوى العاملة من خلال إصدار مرسوم يقضي بتعمين الوظائف الآتية حسب المادة الأولى:
– مشرف سكن داخلي
– اختصاصي خدمة اجتماعية
– اختصاصي علم نفس/ اجتماعي
– اختصاصي أنشطة طلابية
– فني خدمة اجتماعية
– اختصاصي علم اجتماع/ عام
– اختصاصي رعاية اجتماعية
– اختصاصي اجتماعي عام
– فني بحث اجتماعي
– مساعد فني خدمة اجتماعية
– مرشد اجتماعي
وعن هذا المرسوم والتساؤلات المثارة حوله، قامت “مواطن“ بعمل حوارات مع أخصائيين اجتماعيين عاطلين للتعرف على آرائهم حول هذا القرار، وما هي توقعاتهم منه، وهل سيخدم العاطلين أم أن هناك إشكاليات عدة قد تؤخر وتعرقل عملية التشغيل؟
خليفة (اسم مستعار) 24 سنة، خريج تخصص العمل الاجتماعي بجامعة السلطان قابوس، علّق على هذا المرسوم قائلاً: هذا الأمر بديهي جدا،ً وكان يجب أن يتم منذ البداية، ولا أرى القرار يخدمنا إلى حد بعيد، ليس التعمين هو مطلبنا فحسب، ولكن مطلبنا هو وضع معيار محدد مبني على التخصصية والتعمين معاً، وإلا فما فائدة التعمين إذا كانت التخصصية ليست شرطاً؟، ولدي مثال لمؤسسة عمانية اجتماعية تدعى “جسور” جميع من يعملون بها عمانيون ولكن لا يوجد بين جميع الموظفين من يحمل شهادة اجتماعية.. فكيف سيخدم هذا القرار فئة تعاني من التخصصية أكثر مما تعاني من التعمين؟
وأضاف: “في المؤسسات الحكومية وعلى سبيل المثال وزارة التربية والتعليم عادة ما يشغل هذه الوظيفة معلمون من تخصصات مختلفة لا تمت بالتخصصات الاجتماعية بأي صلة، بينما يطالب الاجتماعيون بالتشغيل منذ سنين ولا يتم النظر إلى مسألتهم، أما في الشركات الخاصة فحدّث ولا حرج، فهذه الوظيفة أصبحت منحة حتى لمن لا يحمل شهادة جامعية!”.
وعن نتائج التوظيف العشوائي في مهنة الاخصائي الاجتماعي قال: “كلنا نشاهد النتائج على أرض الواقع بدايةً من المدراس التي تقتصر مهنة الأخصائي فيها على الضرب والترهيب والتفتيش وتقليم الأظافر ومراقبة الشعر وتسجيل الغياب، وهذا بلا شك يؤثر على الأجيال ويسبب لمشاكل كثيرة لا يمكن تجاوزها إلى جانب الغياب التام للدقة في هذه الوظيفة بسبب تجاهل التخصصية، فتوظيف غير المتخصصين في هذه المهن لا يسبب أزمة لدى الباحثين فحسب بل يمتد تأثيره على المجتمع، وإن وجود أشخاص غير مؤهلين لهذه الوظيفة يسبب في تفاقم المشكلات الاجتماعية وعجز والتعامل معها، وزيادة سلوكيات الانحراف، وغيرها من المشكلات الاجتماعية التي لا يستطيع هؤلاء الاشخاص مواجهتها”
إيمان (اسم مستعار) 24سنة، خريجة تخصص علم الاجتماع من جامعة السلطان قابوس بدأت حديثها بـ: “معاليه جاء، وأخيرا يحمل أخبار مبشرة بعهد جديد من البطالة المقنعة هذه المرة، وليس بالغريب عليه لأننا تعودنا أن مثل هذه التباشير المبطنة تخفي الكثير من الأمال التي لا يرجى منها منفعة”.
وأضافت: “السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل ستكون الأولوية للمتخصصين الاجتماعيين لشغل هذه الوظائف وتعمينها للمتخصصين دون غيرهم، واقتصار امتهانها لأهلها على سبيل الحصر.. لا يخفى علينا الدائرة الاجتماعية الكبيرة التي فتحت أبوابها لجميع منتسبيها من مختلف التخصصات وأغلقت الأبواب في وجه متخصصيها دون أن يكون هناك أي مبرر يذكر، بغض النظر عن الخبرة والتخصصية أو حتى المعرفة الملمة بجوانب ومتطلبات التخصصات الاجتماعية”.
وفي معرض الحديث عن المطالبات الحقيقية التي يطالب بها أصحاب التخصصات الاجتماعية، قالت:”نطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية نحن أبناء التخصص لشغل واقتصار امتهان الوظائف الاجتماعية لمتخصصيها لكي يعطى كل ذي حق حقه، وإلغاء عامل الخبرة التعجيزي كمتطلب رئيس لشغل الوظيفة.. هل يعقل أن لا يكون هناك نسبة وتناسب بالمقابل بين ما تطلبه المؤسسات من الباحث الاجتماعي المجد في سوق العمل والذي تفرضه عليه الضغوط المؤسساتية من عامل خبرة لا تقل عن 10 و5 سنوات أحيانا… كل النوافذ مسدودة، إلى أن يعطى الحق والحقوق بالكامل لأصحابها… هذا عوضا عن المشكلات الاجتماعية المتشعبة التي يتعرض إليها هؤلاء الغير متخصصين في ميدان العمل الاجتماعي وكيف يستطيعون حلها هل بعومل التخمين والملاحظة فقط؟”.
أخيراً، هل ستكتفي الوزارة بقرار التعمين بشكل عام لحل هذه المشكلة مع المطالبات التي كانت لا تستهدف التعمين من الأساس وإنما التخصصية قبل كل شيء حسب ما تم ذكره في الحواريْن، في الجانب الآخر هل المرسوم يعد مقدمة لمراسيم قادمة تنصف الاجتماعيين، أم أنه كان الشيء الوحيد الذي استطاعت الوزارة تقديمه في حل هذه الأزمة؟.