في صدد الحديث عن حركة الإخوان المسلمين ، تم اعتبار التيارات والمؤسسات الدينية، بعد انتشار الأديان وتواجدها، وعبر تاريخها الاجتماعي والسياسي، بأنها الممثل الشرعي للآلهة، والوصي الفقهي والتراثي للأديان، وأن رجال الدين والفقهاء، بمثابة المفتاح المقدس لتنفيذ تعاليم الرب وتطلعاته والحفاظ على شرائعه وقوانينه من العبث والتحريف والتأويل المخالف لأهواء وأمزجة وأهداف أوصياء الله وسدنته المعصومين.
هذه المكانة، وتلك الحظوة، وهذا التقديس والتبجيل والتفخيم للتيارات الدينية، لم يأت عبثا، ولا هو صكا إلهيا نزل من السماء، ولا يعتبر من بقايا وصايا الرسل والأنبياء للمؤمنين والتابعين، وليس بالتأكيد نتاج انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة. بل جاء كما يقال بغفلة من الزمن، منذ أن تم اعتبار النصوص الدينية المقدسة مبهمة وعصية على الشرح للعامة، وأن عقل الإنسان عاجز وقاصر عن الفهم والإدراك، وأن أسرار النص المقدس يمتلكها مجموعة من الأفراد الضالعين في الحفظ والتفسير والقياس والتأويل والدروشة، وأن بالتالي، تنتقل قداسة النص الديني بالضرورة، من النص الديني نفسه إلي هؤلاء الأفراد السحرة والمنجمين في مقاصد الآلهة ونواياهم، فتصبح كلماتهم وفتاويهم وأقاويلهم وملابسهم وأخلاقهم وحتى أحلامهم، هي الإرادة المعبرة عن الإرادة الإلهية المطلقة.
وبهذا سقط الإنسان، وخصوصا العربي المسلم، في فخ الأدلجة الدينية، والتماهي مع التيارات الدينية، باعتبارها النسخة الأخيرة لسيرة الأنبياء والأولياء الصالحين، وأن رجال الدين والفقهاء بمثابة المستقبل الديني للأمة، والخلاص التاريخي من الظلم والفقر والفساد والتخلف، وأن السلف الصالح القديم، ماهم إلا المهدي المنتظر لعصر اليوم الذين ظلوا يتناسخون ويتكاثرون عبر القرون ومنذ التاريخ، وكل ما على الشعوب أن تفعله لضمان نجاتهم وخلاصهم، هو في السمع والطاعة وتقبيل الأيادي والأقدام وربما المؤخرات أحيانا، وتقديم القرابين والأموال والنساء لرجال الدين للحصول على الرضا والبركة ومفاتيح الجنان من العاطي المنان.
في مجتمعاتنا العربية، لم يفهم هذا الفيلم الهولويودي المشابه للأفلام البولويودية، ولم يتماهى مع الدين بشكل كامل محكم الإغلاق وسري للغاية، سوى جماعة الإخوان المسلمين. تلك الجماعة التي كثر الحديث عنها، ووصلت أفعالها وفتاويها وعنفها وإرهابها إلي أقاصي الأرض وأطرافها. ذلك التيار الإسلامي الذي بدأ مع الله وانتهى بالإنقلاب عليه وتأسيس حكم المرشد ذو الحكم الإلهي المطلق.
تلك الجماعة التي استطاعت خداع الشعوب والأنظمة العربية وحتى رجال الدين من المذاهب المختلفة، خدعتهم عبر الاعلام الحديث واللحى القصيرة والبدلات الافرنجية وخلافة اردوغان، خدعتهم بمعسول فقه التسامح والتعايش، وبحبحة التراث بالاجتهاد والعقلانية، وحب الاختلاف والكفار والملحدين والمثليين كما قال الشيخ محمد العوضي، والايمان بالديمقراطية وحكم الشعب.
بينما في السر، وفي عقول اتباعهم ومريديهم وتلامذتهم، نشر أدب الإخوان المسلمين تعاليم قطب والمودودي وعزام وفتاوي داعش. نشر ودعم ثنائيات الكفر والايمان، وشروط الولاء والبراء، وحتمية الحلال والحرام، وتعاهد المؤمنين التقاة في الغرف السرية والمفاوضات العصية والاتفاقيات السياسية مع الشيطان وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لتقسيم الغنائم وخلق الربيع العربي وإعادة الخلافة الاسلامية بعد إسقاط الأنظمة العربية العميلة المستبدة الظالمة الطاغية.
هنا نحن لا نتبلي على الإخوان المسلمين، أو نتجاوز حديثنا الي الخيال أو الانتقام أو الكراهية، فمن يكتب خيالا هو الشاعر والأديب والفنان، ومن يريد الإنتقام هي النفس المريضة والذات التي تمارس العنف والأذى والكراهية. بينما هنا، وما يجود به قلمنا، هو الكتابة عما جاء في تاريخهم، وما مارسوه فعلا خلال مسيرتهم الإسلامية، وما تعايشنا معه في وجودهم في مجتمعاتنا من تحالفات مع الأنظمة المستبدة ضد الشعوب، وآخرها ما أظهرته تسجيلات خيمة القذافي من خيانات وطنية للإنقلاب على بعض الأنظمة الخليجية والعربية، وما رأيناه من إصرار عجيب في أسلمة المجتمعات وقمع الحريات وتدمير مؤسسات المجتمع المدني والحض على سجن وقتل كل رأي مخالف لهم.
فأول ما لفت انتباهي في هياكلهم السياسية السرية هو ما يعرف بالنظام الخاص بجماعة الإخوان المسلمين أو التنظيم الخاص أو التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين، وهو نظام عسكري أسسته الجماعة في عام 1940 وهدفه بحسب محمد مهدي عاكف “اعداد نخبة منتقاة من الإخوان المسلمين للقيام بمهمات خاصة، والتدريب على العمليات العسكرية ضد العدو الخارجي ومحو الأمية العسكرية للشعب المصري في ذلك الوقت، حيث كان كل فرد يمكنه دفع عشرين جنيها ليستطيع التخلص من الخدمة العسكرية.
ويتكلم محمود عبدالحليم في كتابه الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ” قام النظام الخاص للإخوان المسلمين من أجل محاربة المحتل الانجليزي داخل القطر المصري، والتصدي للمخطط الصهيوني اليهودي لاحتلال فلسطين”. وكان من أشهر أعضاء التنظيم الخاص “جمال عبدالناصر وخالد محي الدين العضوين في مجلس قيادة الثورة، وفق شهادة خالد محي الدين نفسه، وقد انضما إلى النظام الخاص عام 1943 وفق رواية أحمد رائف”.
كما يروي محمود الصباغ في كتابه حقيقة النظام الخاص “كان أول ما يختبر به العضو الجديد عندما يعلن رغبته في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس على نفقته الخاصة، والذي لم يكن يزد ثمنه في هذا الوقت عن ثلاثة جنيهات. ولم يكن الإنضمام للنظام الخاص للإخوان المسلمين بالأمر اليسير، فالشخص المرشح يمر بسبع جلسات بمعرفة المكون، وهو الشخص الذي يقوم بتكوين أعضاء التظام، وتبدأ الجلسات بالتعارف الكامل على المرشح، ثم بدأ جلسات روحية تشمل الصلاة والتهجد وقراءة القرآن، ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة، وتكون بمثابة الاختبار، حيث يطلب من الشخص كتابة وصيته قبلها، ويستتبع ذلك مراقبة هذا المرشح وسلوكه ومدى نجاحه في المهمة التي كلف بها، الي أن يتدخل الشخص المكون في آخر لحظة ويمنع الشخص المرشح من القيام بالمهمة.
ويستتبع ذلك جلسة البيعة التي كانت تتم في منزل بحي الصليبة بجوار سبيل أم عباس، حيث يدعى المرشح للبيعة والشخص المسؤول عن تكوينه، بالإضافة للسندي زعيم النظام الخاص، حيث يدخل الثلاثة لغرفة البيعة التي تكون مطفأة الأنوار، ثم يجلسون على فرش على الأرض في مواجهة شخص مغطي جسده تماما، من قمة رأسه الي قدميه برداء أبيض يخرج يداه ممتدتان على منضدة منخفضة “طبلية” عليها مصحف شريف، ويبدأ هذا الشخص المغطى بتذكير المرشح بآيات القتال وظروف سرية هذا الجيش ويؤكد عليه بأن هذه البيعة تصبح ملزمة والتي تؤدي خيانتها، إخلاء سبيله من الجماعة، ثم يخرج هذا الشخص مسدسا من جيبه ويطلب من المرشح تحسس المصحف والمسدس والقسم بالبيعة.
وبعدها يصبح المرشح عضوا في “الجيش الاسلامي”. ويضيف محمود الصباغ في كتابه “أنه عندما ترقى للقيادة في هذا التنظيم اكتشف أن الشخص المغطى كان هو صالح عشماوي وكيل الجماعة الذي كان يأخذ البيعة عن المرشد، وبعد البيعة يمر عضو النظام الجديد بأربع مراحل تستغرق كل واحدة 15 اسبوعا يتلقى فيه برنامجا قاسيا في التربية العسكرية والجهادية، إضافة إلى الجانب التعبدي والروحاني”.
إذن لا يمكننا أن نشكك بعد ما نقلناه من بعض كتب الإخوان والمنشقين عنهم، بنواياهم الشريرة، وطرائقهم السرية في اختيار السذج والمغفلين، لاستخدامهم كأحزمة ناسفة وقنابل بشرية جاهزة للتدمير والتخريب، فكل ما عليهم أن يفعلوه من أجل الوصول إلى السلطة، ومن أجل ترهيب الخصوم والدول والمجتمعات، هو حشو عقل المريد بالدين السياسي، وحشو جسده بالمتفجرات. ومن يلاحظ كيفية عمل الاختبار والبيعة، يرى التشابه الكبير بين الإخوان المسلمين والتنظيم الماسوني العالمي، إلا أن الماسونية لا تهدف إلى القتل والتدمير باسم الأديان والتعاليم الربانية، وسيكون لي مقال آخر مفصل يوضح حجم الاختلافات الكبيرة بين الإخوان المسلمين والماسونية العالمية.
حسن البنا الساعاتي، مؤسس الإخوان المسلمين في العام 1928. استطاع بعد اغتياله من تحقيق أهدافه التوسعية ونبوءته المستقبلية، بإعادة الخلافة الإسلامية إلى حكم مصر، وكان ذلك بعد الإطاحة بحكم مبارك، وبعد أن خدع الإخوان المسلمين الشعب المصري بأنهم يدعمون الديمقراطية وحرياتها، إلا ان التاريخ السري للإخوان المسلمين يكشف أن أحد أهداف الجماعة، يتمثل في إقامة دولة تحكمها الشريعة الإسلامية. فكان أن انقلب محمد مرسي على الدستور المصري بعد انتخابات موجهة دينيا، من خلال الإعلان الدستوري الشهير الذي أعطى الصلاحيات الكاملة بيد الرئيس والمرشد الديني للجماعة، مما سبب قيام الاحتجاجات الشعبية الكبيرة ضد هذا الاعلان ومحاولة أسلمة الجمهورية المصرية، فتم خلع مرسي ومحاكمته.
ولم تفلح جماعة الإخوان المسلمين، بعد إسقاط حكم مرسي، من إعادة قوتها السياسية إلى الشارع العربي، وخصوصا بعد توجهات السعودية في اجتثاث الفكر الإخواني. وانكشاف سوءاتهم في مصر. ورغم قوة حضورهم الاجتماعي والديني والمالي، بسبب الموارد المالية من دول الخليج العربي، وتحديدا الكويت، التي تعتبر من أقوى الحصون الإخوانية في المنطقة العربية، نظرا لما تواجهه الكويت من اختراقات سياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وقوتهم في مفاصل الدولة وتوجيه الرأي العام وجمع التبرعات بدون محاسبة.
إلا أن جماعة الاخوان المسلمين اليوم، وجدت الكثير من المغفلين الذين يدافعون عنها بأشكال مريبة تجعل من دفاعهم عنها عملا عدائيا ضد الشعوب العربية، وهو بمثابة الاستعانة بالأعداء لمواجهة أزمات الداخل. وما التسريبات الأخيرة لخيمة القذافي، وتصنيف الإخوان المسلمين بأنهم جماعة إرهابية، واستغلال الثورات العربية دينيا، إلا دليل حاسم لوعي المؤسسات والدول المدنية لمدى خطورة تلك الجماعة في تخريب السلام والاستقرار الوطني العربي. فالدفاع عن الدول العربية، لا يكون عبر السياسات المتلونة أو العمل السري أو تشويه القيم الحداثية، بل يكون بالعمل السياسي السلمي، والديمقراطية الليبرالية، والإيمان بالحريات والمواطنة والعلمانية، التي هي أساس الدول المتحضرة والدستور الحديث.