” هذا الوقت من العام المنصرم كان عبارةً عن صراعٍ نفسيٍ شديد، وقهر كان يشب داخلي، ضربٌ شبه يومي وعمرٌ يمضي بين غضبٍ وممنوع.. صراعاتٌ وضغط عائلي متحيز لأبناء القبيلة، ومع هذا كله كنت أدرس لاختبارات سبعة مقررات.. وقتها كانت الهجرة بين عيوني”
كانت هذه تغريدة للاجئة القطرية في لندن، عائشة القحطاني ، تحكي فيها تجربتها التي عاشتها مع الإضطهاد والتمييز الذي عانته كأنثى في بلادها مجتمعياً وسياسياً، إلا أنها لم تلقى ذات المصير الذي لقيته فتياتٌ أخريات في البلدان العربية.
بأعلى نسب التحرش وتهديد حياتهن من قبل أقربائهن، تتصدر المنطقة العربية الإحصاءات العالمية في مؤشرات العنف ضد المرأة، فيما تعتبر من أكثر بلدان العالم تمييزاً للمرأة حقوقياً في الدساتير والقوانين.
بين تعنيفٍ وقتلٍ أو انتحار، تزدحم يوميات مواقع التواصل الاجتماعي بقصص فتياتٍ عربياتٍ يعشن ظروفاً هي الأقسى بحق المرأة، عادةً ما تنتهي بخاتمة مؤسفة.
الأنظمة الحاكمة تتواطئ أيضاً في التمييز ضد المرأة إلى جانب الظلم المجتمعي الممارس بحقها، حيث لا تثق الكثير من النساء العربيات بتوفير الحماية من قبل الجهات الرسمية، حيث وتنظم دساتير وقوانين الكثير من الدول العربية ممارسة التمييز ضد المرأة.
مجتمع يكره المرأة
تعيش كثيرٌ من الفتيات العربيات، وخصوصاً في المجتمعات المحافظة، مسلوبات الإرادة في اتخاذ القرارات الخاصة والمتعلقة بطبيعة حياتهن، كالدراسة والزواج والطلاق، حيث توكل هذه الأمور لذكور العائلة في تقرير مصيرهن.
حياة، فتاةٌ يمنية كانت متزوجةً من رجلٍ قطري، كانت تتعرض للعنف الزوجي الذي دائماً ما اشتكت لأسرتها منه، والذين كانوا يردون عليها دوماً بأنه رجل وزوج ولا بأس إن فعل ذلك، بالإضافة إلى إلقاء اللوم عليها تجاه ما يفعله زوجها بها.
حصلت على الطلاق بعد إثباتها لدى الطبيب الشرعي تعرضها للعنف الجنسي والجسدي المتكرر، وهو الأمر الذي أعلن فيه أهلها وجوب هدر دمها بعد حصولها على الطلاق، فهو ليس من حقها.
أرقام الأمم المتحدة تفيد أن ما نسبته 37 في المائة من النساء العربيات تعرضن للعنف الجسدي، الجنسي أو النفسي، فيما 37.5 في المائة من النساء العربيات المتزوجات تعرض للعنف من قبل الزوج، حيث تعتبر هذه الأرقام أعلى من المعدل العالمي.
تقول ماجدة الحداد ” …. الظلم الذي تعانيه الفتيات من أُسرِهِن أيضاً سببٌ في ذلك” تقصد فرارهن وطلبهن اللجوء في البلدان الغربية.
صرخت أني سأقتل
ماجدة الحداد، ناشطة سياسية ونسوية يمنية لاجئة في الولايات المتحدة، تتحدث لـ مواطن عن تجربتها التي أجبرتها على الرحيل بأن الأمر لا يقف على التمييز وقضايا تمكين المرأة فقط، بل يصل لتصفيتها في حال قيامها بمحاولة المشاركة في مجالات الحياة العامة.
تجيب ماجدة رداً على سؤال حول إمكان عودتها لبلادها ” ليس هنالك أملٌ في العودة، ولا أريد أن أعود، رغم شوقي الكبير لليمن ولأهلي، لكني لن أعود لبلدٍ ظلمني وأخرجني منه مطاردةً مهددة، ومازلت أتلقى التهديدات منه إلى الأن”
السلطة تتواطئ في قمع المرأة ومنح الذكر مبررات الجريمة وحمايته، فيما تتهرب عن تقديم الحماية للمرأة وتشترط بعض مؤسسات الحماية الرسمية في معظم الدول العربية إذن الأهل أو معرفتهم بذلك.
تؤكد عائشة القحطاني ذلك في حديثها عن لجوئها لطلب الحماية من السلطات في قطر، والذي كان أهون ما تلقته من ردودٍ على استغاثتها هو الإهمال وغض الطرف عن معاناتها، رغم محاولاتها المتكررة لطلب الحماية والمساعدة، مضيفةً أنها لم تكن لتلجأ لو أنها تلقت المساعدة ورأت أن قوانين بلدها ستنصفها وتحميها.
تضيف عائشة القحطاني لحديثها السابق ” نعم، إن الأسباب قد تبدو عائلية في أصلها، ولكن ترك الوطن كان سببه الرئيسي هو طبيعة القانون القمعي الذكوري في بلادي، فقد استنزفت محاولاتي في طلب النجاة، صرخت أني سأقتل، ولم يكن القانون يبالي إطلاقاً في ذلك الوقت، بل وقد أعلن تكفله بدفع جزيتي”
كان الأجدر أخذكم لهاتفها لا جواز سفرها
قصصٌ كثيرة تداولها نشطاء مواقع التواصل حول فرار فتياتٍ ونساء عربياتٍ طلباً للجوء، لتتم ملاحقتهن عبر سفارات بلادهن لإعادتهن لأهاليهن دون مبالاةٍ لما قد يحدث لهن.
السفارة اليمنية في قطر أمطرت حياة بالشتائم والاتهامات الأخلاقية لطلبها الحماية من الترحيل وحرمانها من طفلها، فيما بررت السفارة ذلك في بيانٍ لها أغسطس 2020 بأن رغبتها في ترحيلها لليمن قائمٌ على طلب والدها عودتها، رغم إثبات حياة خطورة عودتها برسائل التهديد التي تلقتها من أهلها.
رهف القنون وفي العام 2019، استطاعت الفرار من زواجٍ إجباريٍ إلى تايلند، بعد قضائها إجازة عائلية في الكويت، لتحاول السلطات السعودية إعادتها لاحقاً قبل أن تحجز رهف نفسها في غرفة فندقٍ في مطار بانكوك وتطلب المساعدة على موقع تويتر، مفيدةً أن الشرطة أخذت منها جوازها.
السفير السعودي الذي ظهر في فيديو انتشر على مواقع التواصل تحدث أنه كان على الشرطة احتجاز هاتفها لا جواز سفرها، بعد أن كان قد صرح رسمياً أن لا علاقة له باحتجاز وثائق سفرها وأن ذلك تم لأن بقائها مخالفٌ في تايلند لأسباب تتعلق بعدم امتلاكها تذكرة عودة وإبلاغ والدها عن فرارها.
تقول عائشة القحطاني ” عندما يعامل المرء من قبل نظامه الأمني بهذه القسوة حتماً سيفكر في الرحيل، ما يريده الإنسان من هذه الحياة هو البقاء والكرامة.. بينما القانون في بلادي لا يكترث لكرامة كيان وجسد المرأة….. إنه يلطخ كرامة الإنسان الحر”
مواطن من درجة ثانية
قانونياً، تعتبر المرأة العربية أكثر النساء منقوصات الحقوق في العالم، حيث أن القوانين التقليدية التي تحد من دور المرأة في الحياة العامة يشكل واحداً من أهم الأسباب التي تدفع بالكثير من فتيات الوطن العربي للبحث عن اللجوء في بلدان غربية يمكن لهن تحقيق طموحاتهن والعيش بحرية ومساواة.
يتحدث لمواطن حول ذلك الكاتب الكويتي عزيز القناعي قائلاً ” من الأسباب التي تدفع بالنساء العربيات للجوء هو قمع الحريات، فلا تزال بعض الدول الخليجية والعربية تقمع المرأة وتعتبرها مواطنةً من درجةٍ ثانية لا تملك أي حقوقٍ إجتماعية أو سياسية، وبالتالي جعل هذا الأمر المرأة أكثر رغبةً لطلب اللجوء في البلدان الغربية التي تتوفر فيها هذه الحقوق للمرأة…”
منح البلدان الغربية للجوء ومسيرها الطويل الذي قطعته في طريق المساواة الجندرية يشكل ميزاتٍ جاذبة للنساء العربيات المقموعات في مجتمعاتهن والمقيدات بأطواق العادات والتقاليد والقوانين الذكورية، للفرار والحصول على فرصةٍ لصناعة حياةٍ حرة ومستقلة وتتوفر فيها الحماية لها.
تتحدث ماجدة الحداد لمواطن عن تجربتها مع القوانين الغربية وتجربة نساءٍ أخريات في عدة دول أوروبية بقولها ” نعم هذا القانون تكفله جميع البلدان و المنظمات وقد وجدت كل الصدق و العدالة في تطبيقة من كل من عرفت من اليمنيات اللاتي لجأن سواءً لكندا أو أمريكا أو أوروبا، ولا يوجد أدنى شك في ذلك”
يضيف القناعي “… ما تعانيه المرأة العربية والخليجية في مجتمعاتنا حتى الأن مازال لم يرقى لمستوى الضمان الحقوقي والعدالة الإجتماعية أو المساواة الجندرية بين الرجل والمرأة، حيث ما تزال بعض القيود التي تؤثر على تمكين المرأة بالإضافة للقيود المجتمعية التي يفرضها المجتمع على المرأة ودور العادات والتقاليد، وبالتالي فإن رغبتها في اللجوء والفرار من المجتمعات الخليجية والعربية للحصول على كامل حريتها السياسية والإجتماعية في الخارج”
هذا وتظل الهجرة واللجوء لحماية بلدان أخرى حلماً تسعى له الكثير من الفتيات والنساء العربيات اللاتي يعانين القمع والإمتهان الرسمي والمجتمعي في البلدان العربية كمواطناتٍ من درجةٍ ثانية.