في عالم ينشد الكمال على مستوى رشاقة الجسد ونضارة البشرة والجمال، يعيش العديد من النساء صراع محاولة مجاراة هذا الكمال، الذي يصبح في قمة تهديده إن ظهرت علامات التقدم في العمر، ما جعل اللجوء إلى حقن البوتوكس وكريمات مقاومة الشيخوخة جزءً من الثقافة المعاصرة.
تخبرنا الميديا ووسائل التواصل وشركات التجميل ونجمات السينما ومؤثرات أنستجرام، بإن علينا أن نبقى بوجوه مشدودة شابة، لدرجة تحفز للصراع مع الزمن، حتى يفقد الجلد أي قدرة على شده بواسطة كريم أو حقن.
ويتم إلقاء اللوم على النساء بسبب عيوب بشرتهن؛ سواء فرط التصبغ أو بقع تقدم العمر، أو أي علامات جلدية مرئية لا تعتبر طبيعية. فالمرأة مسؤولة عن صحة وجمال بشرتها، وتصبح موصومة إذا لم تهتم بها.
لماذا علينا أن نكون جميلات؟
كان أحد أهم نماذج الجمال في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، هو التوهج الأنثوي المرتبط بحياة الرفاهية لدى سيدات الطبقة العليا، وفي المقابل كان جسد المرأة العاملة المتعرق، يرمز لغياب الجمال وقلة الاهتمام بالنفس، تشبثت إعلانات منتجات مكافحة الشيخوخة في تلك الفترة بالبشرة شديدة البياض والشعر الناعم المسترسل.
وتم تأطير نساء الطبقة العاملة على أنهن عدوانيات ومضطربات لاستخدام أجسادهن في كسب المال، بدلاً من الراحة بالبيت، والعناية بالنفس واستخدام منتجات التجميل من أجل أزواجهن، ما سرّع ظهور علامات الشيخوخة عليهن عكس النساء غير العاملات من الطبقات العليا.
لم يختلف الأمر كثيرًا حول آليات صناعة مفاهيم الجمال؛ بل أصبح أكثر شمولية بدلاً من الانحسار في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، امتد أكثر عالميًا مع العولمة والميديا والإنترنت.
وترى أمينة مير الأستاذ المساعد في جامعة كارلتون في علم الاجتماع، في كتابها الطب الحيوي وتعزيز البياض والشباب بين النساء أن “النزعة الاستهلاكية القسرية المقاومة للشيخوخة، تستبعد النساء اللائي يقررن عدم المشاركة في الاستهلاك المقاوم للشيخوخة، باعتباره تصرفًا غير مسؤول من الناحية الأخلاقية”.
"في بداية الأمر لم أهتم كثيرًا، إلا بعد تنبيه صديقاتي أيضًا حول هذه الخطوط، أصبحت مهووسة بأي تجعيده أو خط يظهر على وجهي".
ويتم إلقاء اللوم على النساء بسبب عيوب بشرتهن؛ سواء فرط التصبغ أو بقع تقدم العمر، أو أي علامات جلدية مرئية لا تعتبر طبيعية. فالمرأة مسؤولة عن صحة وجمال بشرتها، وتصبح موصومة إذا لم تهتم بها حسبما وضحت مير، يحدث هذا مع غياب التوعية اللازمة، واستبعاد الحديث عن الأسباب الأخرى لعيوب البشرة؛ مثل تغير المناخ والتلوث، وهي عوامل تؤذي البشرة بشكل كبير.
مخاوف الشيخوخة والهوس بالشباب
وبعدما كان الهوس المتزايد بالشباب الدائم يتعلق أكثر بكبار السن؛ فقد انتشر موخرًا بين الشباب والشابات الذين لديهم تصور كئيب للشيخوخة، ويظنون أن التقدم في العمر مخيف، وبالتالي تجاعيد الوجه تعني بداية عزلتهم من الحياة و الانزواء والوحدة.
يعتقد خبراء التجميل أن شيخوخة الجلد تبدأ من سن الخامسة والعشرين، ومع ذلك فإن العلامات السبع المبكرة للشيخوخة تظهر بشكل أكبر في الثلاثين، وبغض النظر عن صحة تلك الدراسة، إلا أنها تصب في مصلحة شركات منتجات التجميل ومقاومة التجاعيد، مثلما تفيد الدراسات حول فوائد التدخين شركات التبغ.
وعلامات شيخوخة الجلد السبع هي، بهتان البشرة، ظهور الخطوط الدقيقة والتجاعيد، وعدم توحد لون البشرة، بالإضافة إلى خشونة الجلد وظهور البقع والمسام بشكل واضح، وجفاف الجلد.
تقول منى ذات الثلاثين عامًا إنها بدأت استخدام منتجات مقاومة الشيخوخة في منتصف العشرين من عمرها، عندما رأت والدتها خطوطًا حول عينيها، وتحكي لمواطن “في بداية الأمر لم أهتم كثيرًا، إلا بعد تنبيه صديقاتي أيضًا حول هذه الخطوط، أصبحت مهووسة بأي تجعيده أو خط يظهر على وجهي”.
"ولا أعتقد أننا نريد حقًا مكافحة الشيخوخة ، لأنه ليس طبيعيًا، فما يفوق 80% من مظاهر شيخوخة الجلد تتولد من عوامل خارجية، مثل الأشعة فوق البنفسجية والتلوث".
وتكمل: “أحمل هم شكلي في السنوات القادمة، أتمنى أن أحافظ على وجهي الحالي بخطوطه الخفيفة، وأخصص مبلغًا كبيرًا من راتبي لشراء كريمات مقاومة التجاعيد باهظة الثمن من أجل ذلك”.
أما نور، وبعد أن التقطت لنفسها إحدى الصور كما تحب أن تفعل، تقول لمواطن: “لاحظت تجاعيد في وجهي لم تكن موجودة من قبل، أدركت حينها أنني تخطيت الثلاثين من عمري، ويجب أن ألجأ إلى كريمات مقاومة التجاعيد”.
لا تشعر نور في عامها الخامس والثلاثين أنها مضطرة لاستخدام هذه الكريمات، ولم تنتظم عليها، وتضيف: “أحب أن أرى وجهي وهو يتقدم في العمر، بغض النظر عن تحذيرات صديقاتي والتنبيه على أهمية استعمال كريمات مقاومة التجاعيد، أشعر أنني أخاف العجز أكثر من تجاعيد الجلد، أتمنى الموت في صحة جديدة، مع جسد ووجه لن أخجل أن يحملا خطوط الزمان”.
وعلى الرغم من أن ماريا( 23 عامًا)؛ إلا أنها لجأت إلى حقن البوتوكس، بعد أن لاحظت خطوطًا على وجهها، وتحكي لمواطن: “لا أحب أن يتحدث عني من حولي، بأنني لا أهتم ببشرتي، هذا يشعرني أن التجاعيد تملأ وجهي، وذلك أكثر ما يخيفني، أقوم باستخدام كريمات مقاومة التجاعيد للوقاية من أي شيء على وجهي ينذر بأني أكبر في العمر وفرصي في الحياة تقل”.
وتقول طبيبة الجلدية مها أبو الحسن لمواطن: “لا أحبذ استخدام مصطلحات مقاومة الشيخوخة، لأنه مصطلح غير طبيعي، جميعنا نتقدم في العمر، وهذا جزء من كوننا بشرًا، والتقدم في العمر يتحدد من خلال جيناتنا وعاداتنا الغذائية، ونمط حياتنا ومقدار تعرضنا لأشعة الشمس، والعديد من العوامل التي تلعب دورًًا في ظهور علامات الشيخوخة داخليًا وخارجيًا، ولا يمكننا وقف التقدم في العمر من خلال منتجات مقاومة التجاعيد المعلن عنها في المواقع وصالونات التجميل والصيدليات؛ فهي مجرد وعود وهمية وتسويقية من شركات التجميل”.
اللجوء إلى حقن البوتوكس لشد التجاعيد أو تأخير ظهورها ليس مسارًا آمنًا؛ إذ يحمل نسبة من المخاطر على رأسها انخفاض تعابير الوجه بسبب شلل بعض أجزائه، كما تحدث نسب تعرض للتسمم ضئيلة جراء استخدام البوتوكس، وقد يتدهور الأمر لحدوث شلل.
وتضيف: “لا يجب أن يمارس استخدام منتجات مقاومة الشيخوخة بناء على ضغط مجتمعي، ولا أعتقد أننا نريد حقًا مكافحة الشيخوخة ، لأنه ليس طبيعيًا، فما يفوق 80% من شيخوخة الجلد تتولد من عوامل خارجية، مثل الأشعة فوق البنفسجية والتلوث”.
وعلى الرغم من إقبال النساء على منتجات مقاومة الشيخوخة؛ إلا أن لها عددًا من الآثار الجانبية، مثل تهيج الجلد، بسبب رد فعل تحسسي تجاه بعض المكونات، كما ربطت بعض المنتجات بارتفاع معدل سرطانات الجلد؛ خاصة التي تحتوي على مواد الرتينويدات أو أحماض ألفا الهيدروكسي بنسب وتركيزات غير مصرح بها.
وتنصح أبو الحسن، باستخدام واقيات الشمس يوميًا للحد من ظهور البقع والعلامات الخفيفة من تأثير الشمس، والريتينويد الموضعي بنسبة 0.05؛ ما يحفز إنتاج الكولاجين، ويساعد على زيادة سماكة البشرة، وفيتامين (C) كمضاد أكسدة ضد الأشعة فوق البنفسجية، كما أن بعض المقشرات الكيميائية تساعد على إزالة الجلد الميت، مثل حمض الهيدروكسي بالنسب المصرح بها طبيًا.
فغياب التنظيم والرقابة، يجعل بعض المنتجات الموجودة في الأسواق لها مخاطر عديدة، بسبب عدم الالتزام بنسب المواد الكيميائية المصرح بها، ما يجعل شراء منتجات التجميل عملية انتقائية، من شركات موثوقة بتاريخ من الأمان وفاعلية منتجاتها.
كما أن اللجوء إلى حقن البوتوكس لشد التجاعيد أو تأخير ظهورها ليس مسارًا آمنًا؛ إذ يحمل نسبة من المخاطر على رأسها انخفاض تعابير الوجه بسبب شلل بعض أجزائه، كما تحدث نسب تعرض للتسمم ضئيلة جراء استخدام البوتوكس، وقد يتدهور الأمر لحدوث شلل.
وتختم طبية الجلدية حديثها: “لا يهم حقًا مقدار العناية بالبشرة التي نقوم بها، إذا كنا لا نعتني بوضع نظام غذائي متوازن وممارسة الرياضة، والبعد عن مسببات تدمير البشرة، كالتدخين والكحول والتسمير وحروق البشرة”.
تعيش النساء الخائفات من علامات تقدم العمر، حالة من الرعب ليست بسيطة، لدرجة يمكن أن تصل لما يعرف بالـ Gerascophobia؛ أي رهاب الشيخوخة، وهو اضطراب سلوكي يصيب حتى الشباب، كما أن مخاوف الشيخوخة والهوس بالشباب الدائم، يدفع البعض إلى عمليات تجميل غير ضرورية، أو اتباع حميات غذائية قاسية، والإفراط في استخدام منتجات مقاومة الشيخوخة، وخوض أنماط حياة صعبة من أجل الحفاظ على شبابهم وإبطاء عملية الشيخوخة.
علينا تقبل أنفسنا، كما نحن
تقول الأخصائية النفسية هالة مجدي لمواطن: “قابلت الكثير من الفتيات والشباب في أعمار متفاوتة، كان التقدم في العمر مشكلة واضحة لديهم ضمن المشاكل التي يواجهها جيل الألفية، الذين ولدوا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي”.
وتعتقد أن النشأة في عصر الفوتوشوب والجراحات التجميلية الدقيقة، وأنفلونسرز الانستجرام، تنشر معايير تجمّلية مرتفعة جدًا وليست واقعية، ما يجعل تقبل هؤلاء الشباب لأنفسهم هشًا تمامًا في ظل معايير جمال تنافسية، ما يرفع حالات الخوف الدائم من تقدم العمر.
وتنصح بعيش الحياة بعيدًا عن المقارنة بحياة الرفاهية للموثرين، لأنها ليست حقيقية ومليئة بالأكاذيب، ولابد من تقبل التقدم في العمر والمضي قدمًا، وأن عمليات التجميل والبوتوكس أمور ليست ضرورية؛ بالأخص وأن الأشياء الطبيعية في الحياة -مثل التجاعيد- لا يجب أن تشكل علينا أية ضغوط”.
بين نور ومنى وماريا، اختلفت المواقف وردود الفعل، لكن جمعهن الضغط النفسي من فكرة ظهور علامات الوجه، قد تكون “نور” اكتسبت مع الوقت درجة تحرر من الانتظام على أي كريمات أو تتبع خطوط تظهر على وجهها، متقبلة تقدم العمر، إلا أن المخاوف لدى منى وماريا تبقى عاملاً مشتركًا بين العديد من النساء؛ ما يجعلنا في مزيد من الجهود لتغيير الثقافة حول التقبل الذاتي في مراحل العمر المختلفة، وتفنيد أكاذيب الميديا حول الشباب والجمال، في ظل تمدد سوق عالمية بلغت قيمتها 163.8مليار دولار أمريكي في عام 2020، ومن المتوقع أن يتجاوز السوق العالمي لمنتجات مكافحة الشيخوخة قيمة 284.8 مليار دولار أمريكي بنهاية عام 2028.