لم تفز أي سيدة في انتخابات مجلس الشورى العماني التي عقدت الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٣)، من أصل 32 سيدة ترشحت للمجلس، بعد شغل سيدتين مقعدين في المجلس الذي يضم 90 عضوًا/ة، والذي يعد أحد سلطات الدولة التي حددها النظام الأساسي للحكم، ويبدي الرأي في السياسات العامة للدولة، كالخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات، بالإضافة لمناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى.
وشارك في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة، 496 ألفًا و279 ناخبًا وناخبة، بنسبة بلغت 65.88%، وجاءت مشاركات الذكور بـ258.847 ناخبًا، بينما مشاركات الإناث 237.432 ناخبة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يخلو فيها المجلس من السيدات منذ السماح لهنّ بالترشح، تقول الصحافية والباحثة العمانية، رفيعة الطالعي: “هو أمر متوقع، على الرغم من أنه مخيب للآمال، لعدة أسباب؛ منها أن مشاركة المرأة منذ بدأ مشاركتها في 1994 حتى الانتخابات الأخيرة، لم تتجاوز سقف المقعدين، وأحيانًا مقعدًا واحدًا، وأحيانًا بدون مقاعد كما حدث في الدورة السادسة للمجلس”.
وجاءت عمان في المركز 140 من بين 146 دولة على مستوى عملية التمكين السياسي.. وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي للتكافؤ بين الجنسين الصادر في 6 يونيو 2023.
وأنشئ مجلس الشورى العماني في 1991، وأعطيت المرأة حق الانتخاب والترشح في الدورة الثانية منه، في ولايات محافظة مسقط فقط (ست ولايات)، وفازت سيدتان حينئذ بعضوية المجلس، وهي سابقة في دول الخليج، ثم سُمح للسيدات بالترشح والانتخاب في كل ولايات السلطنة في الدورة التي تلتها.
الكوتا، هي الحل
وتشير الطالعي، والتي ترأس تحرير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي بواشنطن: “حدث ذلك لأن سياسات الدولة لا تشجع أن ينتخب الناس نساء، وأصبح النظر في مسألة الكوتا الآن جديًا وفعليًا من أجل تطبيقها؛ فهناك عوامل ثقافية اجتماعية خاصة، وهي السبب المباشر لذلك، ولكنني أتصور أن الدولة والحكومة بأنظمتها وسياساتها تلعب دورًا كبيرًا جدًا في تشجيع الناس على التصويت للنساء أو عدم التصويت لهن، وهو معروف ومعتمد في بلدان عدة”.
وأضافت لمواطن: “لابد أن تكون لدى الدولة سياسات مراعية للنوع الاجتماعي، ومساواة في القوانين، النساء يمثلن اليوم ٤٩.٦٪ من إجمالي السكان، مع ذلك لم تتجاوز نسبة تمثيلهن في أي مؤسسة رسمية الـ٢٠٪، وحدث خلال هذا الشهر (نوفمبر/ تشرين الثاني) تعيين ١٨ امرأة من بين ٨٦ عضوًا في مجلس الدولة، وهي نسبة ٢٠٪، ويجب أن يكون تمثيل المرأة في الإدارات الوسطى والإدارات العليا في الوزارات والهيئات الحكومية تمثيلاً مناسبًا لعدد السكان”.
وترى أن الكوتا ضرورية جدًا، “على الدولة أن تبرز وتبين أن بإمكانها تساهم؛ ففي كل دول منطقتنا تأتي القرارات من أعلى إلى أسفل، وبالتالي لن يعترض أحد لو قررت الحكومة أنها ستعين ٥٠٪ مثلاً من أعضاء مجلس الدولة نساء، وفي الحكومة ٢٥ إلى ٣٠٪ بدل ٣ وزيرات تقريبًا في كل تعديل”.
وأكدت، “لابد من الكوتا ومراعاة قوانين الدولة للنوع الاجتماعي؛ حيث تكون هناك نسبة متوازنة أو تمثيل جيد للنساء عند التعيينات، حان الوقت أن تعدل عمان سياساتها وتطور دور المرأة ولا تنتظر المجتمع ليقوم بذلك، كما هو الحال في كل القرارات والسياسات”.
وخالفتها الرأي المرشحة في الانتخابات الأخيرة المستشارة القانونية ميمونة السليماني فقالت: “أنا من مناصري خلق أدوات جديدة تسمح للكفاءات والتمثيل العادل لجميع أطياف المجتمع في المجالس الوطنية، ولكن ليس الكوتا”.
أما المحامية والباحثة القانونية عذراء حمود فوجدت أن تغيير القوانين والسياسات، من خلال تعزيز جميع القوانين حقوق المرأة في المشاركة السياسية، مثل نظام كوتا النوع الاجتماعي لمعالجة فجوة التمثيل البرلماني للمرأة، وتضمن الحماية القانونية لحقوق المرأة في مجال السياسة، حسب رأيها.
كما ترى ضرورة توفير الدعم المادي والتقني للنساء الراغبات في المشاركة السياسية؛ بما في ذلك توفير التدريب والإرشاد اللازم لمواجهة التحديات وتطوير المهارات اللازمة، و تعزيز الوعي العام يستهدف المجتمع بأسره لتعزيز الفهم والتقبل لدور المرأة في الحياة السياسية، والتغلب على الصور النمطية والتحديات الاجتماعية التي تقف أمام تحقيق المساواة بين الجنسين.
“حيث إن تنفيذ هذه الإجراءات يمكن أن يسهم في تمكين المرأة العُمانية وزيادة تواجدها في الفضاء السياسي بشكل أكبر” كما قالت حمود.
أسباب الفشل
وقالت ميمونة السليماني، والتي هي عضو اللجنة العمانية لحقوق الإنسان أيضًا: “الترشح هو أداة، وعُمان أول دولة خليجية سمحت للمرأة بالترشح والتنافس على التواجد في مجلس الشورى، واليوم بعد مضي ٣٠ عامًا على هذه الأداة، حان الوقت لتقييمها وإعادة النظر في آلية التمثيل العادل لكافة الشرائح، وليس المرأة فقط، وهو أمر ليس مخالفًا للدستور أو يتعارض مع النظام الأساسي العماني؛ بل على العكس؛ هي كلها أدوات الهدف منها هو الوصول للتمثيل العادل لكافة الشرائح التي تمثل المجتمع العماني في وقت ما”.
وترى، أن المادة 13 من النظام الأساسي العماني الصادر بالمرسوم السلطاني 2021/6، التي تؤكد على مبادئ هامة وعليا؛ منها إرساء الشورى وتبني أساليب العصر وأدواته، لذا “فالأدوات السابقة لم تسفر عن وصول المرأة العمانية والتمثيل العادل لها، وذلك للتراجع الملحوظ رغم كل التقدم في تطوير ثقافة الفرد وبنائه علميًا لتبقى القبلية والذكورية والتي تتطلب تغييرًا جوهريًا؛ فالمجتمع غير جاهز أبدًا، وما زلنا نقع في أخطاء، وفي هذا التراجع الثقافي”.
وفي ردها عن أسباب فشل وصول النساء لمجلس الشورى رغم محاولات تمكينهن قالت السليماني: “أعتقد أن سلطنة عمان تعدت مرحلة التمكين، نحن الآن في مرحلة صنع التغيير بيد المرأة بنفسها، عن طريق اقتراح مسودة تشريع يسمح بالتنوع القيادي، ويسمح بالتمثيل المناسب والملائم الذي يراعي ظروف السلطنة ومعطياتها، والمكانة التي وصلت لها المرأة”.
وكشقيقاتها الخليجيات؛ لا تزال المرأة العمانية مستثناة من الفضاء العام وحياكة السياسات العامة في ظل قوانين مميزة ضدها وضد مواطنتها الكاملة.
ووصفت السليماني تجربة الترشح بأنها: “تجربة لملامسة الواقع الحقيقي للمسألة”، وعما ستقوم به بعد هذه التجربة قالت “سأقوم بإعداد دراسة وافية للأسباب، وأقترح تجمع القيادات النسائية العمانية في مجال الاحتراف المهني الذي يخص السياسات العامة واتخاذ القرار في السلطنة، على كافة المستويات؛ سواء كان ذلك على مستوى المجالس النيابية أو السياسات العامة، أو على مستوى السلطة التنفيذية والقضائية، بحيث يكون فيها تنوع قيادي، يكون فيه تمثيل المرأة التمثيل الصحيح والعادل، بما يتناسب مع النظام الأساسي العماني الصادر بالمرسوم السلطاني في ٢٠٢١”.
فيما ترى المحامية عذراء حمود، أن عدم وصول المرأة العُمانية لمجلس الشورى في دورته الحالية هو “مؤشر على أن التحديات الثقافية أو الاجتماعية التي تؤثر في المشاركة السياسية للنساء ربما ازدادت سوءً وتعقيدًا؛ فهناك عدم قبول مجتمعي للمرأة يقابله شعور بالخذلان من قبل المرأة، وسببه غالبًا هو تمييز بسبب النوع، وأرى أن ما حدث لعدد من المترشحات في انتخابات الدورة السابقة لمجلس الشورى أثّر سلبًا وبشكل كبير في انتخابات الدورة الحالية للمجلس؛ فعدد النساء المترشحات قليل جدًا مقارنة بعدد الرجال ومقارنة أيضًا بالدورات السابقة”.
وأشارت حمود؛ إلى أن نساء عديدات ترشحن في الدورة السابقة للمجلس، وكُنّ على قدر عالٍ من الثقافة القانونية والسياسية، وتفوقن وبشكل غير مسبوق في حملاتهن الانتخابية على الرجال، مما عرّضهنّ للمضايقات والحملات المضادة، ولم يتمكنّ من الوصول إلى قبة المجلس بسبب الثقافة الذكورية السائدة التي تم شحذها وإثارتها وتعزيزها في ذلك الوقت”.
الذكورية، هي السبب
وقالت الباحثة العمانية حميدة محمد، “أن هناك ثقافة ذكورية تحيط بالمناصب بشكل عام في عمان، هذه الثقافة مستمدة من الثقافة القبلية؛ فحتى عندما تتوظف المرأة في مكان ما، من الصعب عليها التعبير عن ذاتها ونجاحها وسط هذه الهيمنة الذكورية التي تسيطر على المؤسسات، مع أن أعداد النساء التي تدخل مؤسسات التعليم العالي وتتفوق علميًا أكثر من أعداد الرجال، ولكن من الصعب عليهنً كنساء أن يعبرن عن أنفسهن وذاتهن في المؤسسات”.
وأشارت، إلى قبلية المجتمع كسبب آخر: “في المجتمع العماني، التحزبات القبلية هي التي تدير الشأن الانتخابي؛ فبالتالي فإن فوز المرشح، هو لأن القبيلة هي التي رشحته وأعطته ميزة معينة، ويشارك في الانتخابات؛ فالعديد من المرشحين/ات يخوضون الانتخابات بضمانة القبيلة، والقبيلة هي مكون ذكوري في عمان؛ فبالتالي من الطبيعي أن ما تفرز في ترشيحها أو نتائجها نساء”.
وبينت الباحثة العمانية: “لا يهمني وجود المرأة من عدمه في المجلس، لأنني قابلت في حياتي نساء ذكوريات أكثر من الرجال، وقابلت رجالاً يطالبون بحقوق النساء وبالحريات في المجتمع العماني أكثر من النساء، بالنسبة لي لا أربط قضايا المرأة بالمرأة؛ فالرجل أيضًا مستفيد من قضايا المرأة ومن الحريات التي تمنح للنساء ومن تمكين النساء؛ فذكورية المجتمع تهينهم”.
وأعطت مثالاً على ما ذكرت: “سابقًا، وصلت سيدات لمجلس الشورى، ولكنهنّ لم يضفن شيئًا فيما يتعلق بقضايا المرأة، ولم يتحدثن عنها، ولم يتم إعطاؤهنّ أي أهمية، وفي المقابل هناك الكثير من الرجال الذين يتحدثون عن قضايا المرأة”.
وترى أن مسألة تمكين المرأة وقضايا المرأة مرتبط بمستوى التعليم، وبدرجة النقاش العمومي في هذا الموضوع، وبتقدم المؤسسات وحداثتها وتطورها، وتخلصها من القبلية، وبوجود حاضنة قانونية ترتكز على معالم حقوق الإنسان وقانون حقوق الإنسان الدولي، “هذا ما يعطي الضمانات للمرأة والرجل للحصول على حقوقهم/ن؛ فاليوم المرأة هي الكائن الأضعف في هذه المنظومة، ولكن حتى الرجل يعاني في عمان من إشكاليات كثيرة على كل مستويات الحياة”.
فيما أبدت المحامية عذراء حمود، تفاؤلاً “يبقى أن بمقدورنا تغيير هذه الثقافة وتجاوز هذه التحديات، ومما لا شك فيه أن الحكومة العُمانية تسعى وتعمل على تغيير الثقافة، وعلى تمكين المرأة في جميع المجالات، وهذا ما يجعلني أؤمن أن مثل هذه التحديات سنتجاوزها مع الزمن، وستكون من الماضي”.
قوانين بحاجة لتغيير
وتطالب الحركة النسائية في عُمان بتعديلات في القوانين، تطال قانون الأحوال الشخصية لتحسين حقوق المرأة فيما يتعلق بالزواج والطلاق والحضانة والنفقة وغيرها، بالإضافة لقانون الجنسية، بحيث تستطيع العمانية نقل جنسيتها لأبنائها وبناتها، وأيضًا قانون العنف الأسري لحماية النساء من العنف الأسري.
وأشارت رفيعة الطالعي، إلى أن تصديق السلطنة على اتفاقية “السيداو” هي خطوة مهمة “ولكنها تحفظت على بعض المواد التي تحد من حرية المرأة وحقوقها؛ مثل حرية الحركة، وكل ما يتعلق بحرية تصرفها في جسدها”.
وكانت السلطنة قد صادقت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في العام 2005، متحفظة على أي أحكام “لا تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية والتشريعات المعمول بها في السلطنة”، والمادة المتعلقة بمنح المرأة حقًا متساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها، بالإضافة لتساوي حق المرأة والرجل في حرية الحركة واختيار محل السكن والإقامة، بجانب المواد المتعلقة بالتبني.
وجاءت عمان في المركز 140 من بين 146 دولة على مستوى عملية التمكين السياسي.. وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي للتكافؤ بين الجنسين الصادر في 6 يونيو 2023.
وكشقيقاتها الخليجيات؛ لا تزال المرأة العمانية مستثناة من الفضاء العام وحياكة السياسات العامة في ظل قوانين مميزة ضدها وضد مواطنتها الكاملة، ولكن نضالاً طويلاً قطعته النساء العمانيات لتغيير هذا الواقع قد يثمر يومًا ما ثماره.