أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءً لا يتجزأ من حياتنا وروتيننا اليومي، ويمتلك معظم الناس حسابًا على أحد التطبيقات بدوافع استخدام متنوعة؛ من يرغب في متابعة الأخبار، ومن يريد البقاء على اتصال بأصدقائه، وهناك من يستمتع بأخذ الصور ونشرها. ومع ذلك، يثير الأمر قلقًا مع تقديم هذه التطبيقات للعديد من الميزات؛ مثل الفلاتر، والتي من خلالها يمكن للمستخدم تغيير ملامح وجهه بطرق متعددة.
"المسألة ليست في الظهور جميلة للناس؛ بل في العلاقة بيني وبين نفسي، لا يعجبني أن أنشر صورة بدون فلتر، لأنه يضفي جمالية على الصورة ويعجبني نفسي في تلك اللحظة"
ويمكن للنساء وضع رموش أطول، ابتسامة أكثر إشراقًا، والظهور بأنف أنحف وبشرة صافية خالية من العيوب، أو حتى تعديل هيكل الوجه بشكل عام. وزاد تعلّق الكثيرين بهذه الفلاتر مما أحدث تغييرًا في المعايير الجمالية؛ فمتى أصبحت الفلاتر ضرورة في تواصلنا؟ هل يجب علينا أن نعدل أشكالنا لكي نحظى بإعجاب الآخرين؟ ولماذا؟
"أستخدم الفلتر لأنه يجعلني أجمل"
درس باحثون من جامعة سيتي بلندن في عام 2021 الآثار السلبية للاستخدام المتكرر للفلاتر على الصحة النفسية. شملت الدراسة مشاركة 175 امرأة شابة، تتراوح أعمارهن بين 18 و30 عامًا، مع الغالبية في العمرين 20 و21. كان أحد أبرز النتائج هي أن 90% من النساء الشابات اللواتي شملتهن الدراسة أبلغن عن استخدام الفلاتر أو تحرير صورهن.
كما كشفت الدراسة عن إجابات على السؤال؛ ما الفلتر الذي يستخدمه الجميع بشكل أكبر؟ وكانت الفلاتر أو التحريرات الخمسة الأكثر شيوعًا تلك التي تستخدم لتوحيد لون البشرة، وتفتيح البشرة، وتبييض الأسنان، وتحمير البشرة، وتقليص الوزن. بالإضافة إلى ذلك، استخدم المشاركون الفلاتر على وسائل التواصل الاجتماعي لتغيير شكل فكهم أو أنفهم، وجعل شفتيهم تبدوان أكثر امتلاءً، وجعل عيونهم تبدو أكبر.
باستناد إلى الربط بين استخدام الفلاتر والصحة النفسية، أفصحت الدراسة عن إحصائيات تكشف عن التأثيرات السلبية للاستخدام المفرط للفلاتر، وأفاد 94% من المشاركات بأنهم يعانين من ضغط يجعلهن يشعرن بالحاجة إلى ظهور بشكل محدد، وأكد أكثر من نصفهم أن هذا الضغط كان مكثفًا للغاية. إضافة إلى ذلك، أبدى 70% منهن شعورًا بالضغط لعرض “حياة مثالية”. ولفتت النظر في الإحصائية أيضًا إلى أن 86% من المشاركات يرين أن تمثيلهن لأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي لا يعكس الواقع الحقيقي لحياتهم.
ومن جهتها، تقول كريمة، البالغة من العمر 30 عامًا: “أستخدم الفلتر لأنه يجعلني أبدو أجمل ويزيد من ثقتي بنفسي. أشعر بأنني جميلة عند استخدامه، على عكس التقاط الصور بكاميرا عادية؛ حيث لا يُعجبني مظهري بسبب أن عيوبي تظهر بشكل واضح، وتظهر مشاكل بشرتي. أما الفلتر فهو يعطي جمالية خاصة، وأنا معجبة جدًا به.”
تتابع قائلة: “المسألة هنا ليست في الظهور جميلة للناس؛ بل في العلاقة بيني وبين نفسي، لا يعجبني أن أنشر صورة بدون فلتر، لأنه يضفي جمالية على الصورة ويعجبني نفسي في تلك اللحظة؛ خاصةً عندما تصلني التعليقات الجميلة وأشعر بالسعادة. ولكن إذا قمت بنشر الصورة بدون فلتر فقد لا تعجب الناس، ولن تحصلي على نفس التعليقات الإيجابية؛ بل قد يصلك تعليق غير لطيف أو انتقاد لا يعجبك”.
وهناك فتيات أخريات يلجأن إلى استخدام الفلاتر فقط لتحسين الإضاءة وتعزيز جمال الصورة. تؤكد نور، البالغة من العمر 29 عامًا: “صحيح، أستخدم الفلاتر، ولكنني لست مدمنة، في أغلب الحالات ألتقط الصور بكاميرا الهاتف العادية، ولكنني أستخدم الفلاتر لتحسين الإضاءة والألوان”.
تواصل:” أنا ضد الفلاتر التي تغير الملامح، ولكنني أحب الفلاتر التي تعدل ألوان الصورة، لكي لا تظهر المظهر المظلم، أرغب في جعل الصورة واضحة من حيث الألوان، وأود أن أؤكد أنني لا أحب الفلاتر التي تعدل الملامح، مثل تكبير الشفاه أو تصغير الأنف”.
الفلاتر، وعدم تقبل الذات
وتقول لمواطن الأخصائية النفسية، فريدة رحموني: “إذا كانت المرأة تستخدم الفلاتر؛ فإن ذلك يعني أنها لا تتقبل ذاتها كما هي، وتسعى لتحسينها. يمكننا القول بأن هناك جوانب متعددة وافتراضات مختلفة تعتمد على كل فرد وحالته الشخصية، لا يمكن التعميم، ولكن بشكل عام، يرى الشخص ذاته بشكل سلبي، وكلما تغير الفلتر وظهرت تغييرات في الصورة، زاد عدم قبوله لذاته”.
وترى أن هناك عدة أسباب لعدم تقبل الذات؛ فقد يكون له جذور في الأسرة؛ حيث يتم التركيز على الجسم والجمال بشكل معين لا ينطبق على المرأة؛ فقد تكون تعرضت للتحرش والاعتداء الجنسي، أو حتى تعرضت للنقد، ليس بالضرورة على مظهرها الخارجي، ولكن قد لا يتقبلها أي شخص، مما يؤدي إلى عدم قبولها لنفسها، وربما تكون تعرضت أيضًا للتنمر في المدرسة بسبب شكلها، مما يجعلها تلجأ إلى استخدام هذه الفلاتر.
وتفسر هنا استخدام الفلاتر على أنه محاولة خلق صورة جديدة بسبب سوء الحالة الذاتية، واعتبار أنفسهن غير جذابات. وتواصل أن هذه الفلاتر قد تكون خطوة أولى نحو عمليات التجميل؛ خاصة إذا كان لدى المرأة المال.
وتوضح: “كل شيء يبدأ بشكل صغير؛ ما يبدأ بالفلاتر وينتهي بعملية تجميل، في محاولة لتتناسب الصورة الجسدية مع الصورة بالفلاتر”.
متى أصبحت الفلاتر ضرورة في تواصلنا؟ هل يجب علينا أن نعدل أشكالنا لكي نحظى بإعجاب الآخرين؟
“والمشكلة هنا تكمن في إدمان على عمليات التجميل، في كل مرة تلاحظ فيها أن هناك شيئًا يجب تغييره، فتلجأ إلى عمليات التجميل، وبهذا تتورط في دوامة لا نهاية لها”. حد قول الأخصائية النفسية.
وتتابع: “استخدام هذه الفلاتر لا يضمن رضاها عن نفسها؛ قد تعجبها نفسها في اللحظة التي تلتقط فيها الصورة وبعد تعديلها، ولكن يمكن أن يختفي هذا الشعور بسرعة بمجرد قراءة التعليقات، مما يؤدي إلى الإدمان، وفي بعض الحالات إلى الإقدام على عمليات جراحية أكبر”.
ومن جهته يعتبر طيّب العيادي، الأستاذ الباحث في السوسيولوجيا بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ابن طفيل -القنيطرة-، أن لجوء الفتيات وحتى الفتيان أحيانًا إلى استعمال ما يسمى بالفلتر، أو فلاتر الكاميرا لتعديل شكل الوجه، هو نوع من الاستهلاك الرقمي المتاح ضمن الخيارات الرقمية للتواصل.
ويقول لمواطن: “لكن الذي يجعل البعض يتوسله والبعض الآخر لا يبالي بذلك، هو ما يدفع إلى إيجاد تفسير لفهم خلفيات وموجبات هذا السلوك التواصلي المزيف/المعدل لواقع الحال”.
يواصل: “والفهم السليم يقتضي الإحاطة بمجموعة من المتغيرات ذات الصلة بمستعملي هذه الخيارات، أي من حيث السن والجنس ومجال الإقامة والمستوى الدراسي، غير أنه يمكن افتراض أن هذا السلوك الرقمي التواصلي يعبر في العمق عن عدم رضا واضح عن الحال الفيزيائية/الجمالية لصاحبها؛ خاصة بمنطقة الوجه، ورغبته في التخفي في الصورة الذهنية التي يأمل أن يكون عليها، وهي الصورة التي لا تتوقف فقط على الاختيار الشخصي، وإنما أيضا على ما يطلبه الذوق العام الخارجي”.
ويضيف: “إنها بمثابة تدخلات تجميلية رقمية، وامتداد لما يتم العمل به في مجال التجميل بمنتوجات الماكياج، ونعرف بعض القصص الواقعية عن صدمة البعض بعد الزواج من حقيقة الشريك، بعد إزالة المساحيق أو استعمال بعض الأشياء لتضخيم بعض المناطق من الجسد”.
يتابع: “ويظل تقييم هذا السلوك محددًا بسياقاته؛ إذ يُعتبر أخلاقيًا مرفوضًا؛ نظرًا لكونه يشكل غشًا وخداعًا؛ خاصةً بالنسبة للأفراد الذين لا يعرفون الشخص في الواقع. من الناحية السيكولوجية، يُعتبر إعلانًا عن عدم الرضا عن الذات، والطموح للوصول إلى الحلول التي تحل محل الصورة المفلترة”.
ويستطرد: “ومن الناحية الاجتماعية، يُعتبر هذا السلوك تجسيدًا للتغير الاجتماعي الذي يؤثر على السياق العام بالنواحي القيمية والعلاقية والاقتصادية، وبهذا، يتضمن تلبية طلب معين مقابل تفضيل هذا المنتج الرقمي، ويتلقى تشجيعًا؛ سواءً كان ذلك من خلال تجنب التنمر أو بالإشادة والانبهار”.
ويكمل: “إنه استهلاك ضمن خيارات استهلاكية أخرى عديدة، يعرضها العالم الرقمي، وتجد تطبيعًا عمليًا من المنتجين والمستهلكين لها. إن تعديل صورة الوجه والتصرف الجوهري أحيانًا في تفاصيلها، هو إيجاب من صاحبه لبناء علاقة تعارف ينشد قبولاً من الغير، ولا يخشى انكشاف أو انفضاح حقيقته عند لقاء الواقع، لأنه يعول على استدراك “خطأ التأسيس” أثناء تطور تلك العلاقة عبر الأيام”.
وهو الأمر الذي يجعل من اتصال الخداع الأول فخ استدراج، ما يلبث صاحبه أن يشتغل على محوه لدى من بلع طعمه بالصورة الأصلية رويدًا رويدًا. وهناك أيضًا من يقوم بهذه التقويمات الرقمية لصورة الوجه فقط من أجل المتعة الشخصية، وليس لتسويق قيمة استطيقية غير حقيقية، حسب أستاذ السوسيولوجيا.
بشكل عام يعتبر “الطيب” هذا السلوك تعبيرًا عما تعرفه العلاقات الإنسانية والاجتماعية من تغيرات، وما أصبح يرتبط بها من قيم جديدة لازالت تعتبر الجسد -وهنا الوجه- أول شروط الاتصال والتعارف والتعلق، وثانيًا هو كاشف للقيم الاستهلاكية الجديدة التي تؤطر العلاقات الرقمية بين مستعمليها؛ حيث الانزياح عن الواقع مطلوب، وتعديله حتى النقيض.
ختامًا؛ قد تغطي الفلاتر العيوب ومشاكل البشرة بشكل لحظي، لكن يجب أن نعي أن العيوب هي جزء منا، جزء من قصتنا، وجزء من حياتنا يجب التصالح معها.
Wow wonderful blog layout How long have you been blogging for you make blogging look easy The overall look of your site is great as well as the content