تعمل الرياض ضمن رؤية المملكة 2030 على تحقيق الريادة في مجال توطين صناعة المُسيّرات (طائرات دون طيّار)، عبر عقد شراكات مع دول رائدة في هذا المجال، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وتركيا التي قطعت شوطًا طويلًا في هذا المجال، وتهدف الرؤية إلى توطين 50% من إجمالي الإنفاق العسكري بحلول 2030. كما أصدر مجلس الوزراء السعودي في أغسطس/ آب 2017، قرارًا بتأسيس الهيئة العامة للصناعات العسكرية، لتصبح بدورها الجهة المُشرعة لقطاع الصناعات العسكرية، والمسؤولة عن تنظيمه وتطويره ومراقبة أدائه، وتعمل الهيئة بشكل تكاملي مع كافة شركائها من القطاعين العام والخاص، لدعم توطين وتطوير قطاع الصناعات العسكرية، ولتعزيز قدرات التصنيع العسكرية الوطنية، وليصبح أحد روافد الاقتصاد ليساهم بشكل مباشر في الناتج المحلي الإجمالي.
وقد أعلنت السعودية، هذا العام، عن صناعة طائرتي “عاصف1 – عاصف2 ” ( طائرات مسيّرة)، وبدأت في تصديرهما إلى إسبانيا وجنوب إفريقيا.
الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والضابط السعودي السابق، الدكتور فواز بن كاسب، يقول: “إن رؤية 2030 تحمل كثيرًا من الأبعاد لتعزيز اقتصاد المملكة وإيراداتها، دون الاعتماد على الطاقة التقليدية، وذلك من خلال الصناعة عبر بعديها المدني والعسكري، والحقيقة أن الصناعات العسكرية تلعب دورًا كبيرًا في دول مجلس التعاون، وهناك مبالغ كبيرة جدًا تدفع للدول الحليفة المتقدمة في هذا المجال، ومثل هذه الخطوة تأتي من إدراك سياسي اقتصادي لقيادة المملكة، لتوطين 50% من الصناعات العسكرية بحلول 2030 وهو موضوع محوري لتحقيق الأمن من الجانب العسكري؛ ولاسيما مع التطورات التي حدثت في البيئة العسكرية في الجيلين الرابع والخامس؛ حيث نشهد تغيرًا في العقائد العسكرية، وهو ما يتطلب تنوع الحلفاء لنقل التقنيات العسكرية المختلفة”.
وأضاف بن كاسب لـ”مواطن”: “لعبت الطائرات المسيرة دورًا كبيرًا في تغيير كثير من الموازين على أرض الواقع في الحروب الحديثة، وتتخذ المملكة عدة خطوات لتوطين هذه الصناعة بالتعاون مع عدد من الحفاء؛ منها فرنسا وأميركا وتركيا، وهناك تعاقدات في هذا الجانب، وكشف أن “المملكة بدأت في تصنيع المسيرات؛ سواء طائرات دفاعية أو هجومية، ومختلف الأعراض العسكرية والمدنية، وما حدث من حروب محدودة في الشرق الأوسط، عظَم من دور المسيرات؛ سواء على الجانب التكتيكي أو العملياتي، وأقامت السعودية عدة معارض دفاعية دولية في الرياض، وكان هناك عروض لكثير من الشركات، وظهر فيها هذه التقنية الحديثة”.
صناعة المسيرات العسكرية
في يوليو/ تمّوز الماضي، وقّعت وزارة الدفاع السعودية عقد استحواذ مع شركة “بايكار” التركية للصناعات الدفاعية، يشتمل توطين صناعة الطائرات المسيَّرة والأنظمة المكونة لها داخل المملكة بمشاركة الشركات الوطنية المتخصصة في الصناعات العسكرية والدفاعية، بالإضافة إلى تقديم خدمات التدريب والمساندة، وتطوير قدرات التوطين من خلال نقل التقنية والمعرفة، وتدريب الكوادر السعودية. وفي أغسطس/ آب، وقّعت اتفاقية ومذكرتي تفاهم بين عدد من الشركات الوطنية المتخصصة في الصناعات العسكرية والدفاعية، وشركات دفاع تركية لتوطين صناعة الطائرات المسيَّرة والأنظمة المكونة لها داخل المملكة، وتأتي الاتفاقية ومذكرتا التفاهم استكمالًا لعقد الاستحواذ الذي وقعته وزارة الدفاع مع شركة “بايكار”.
تنتج السعودية حاليًا مسيرات محلية؛ مثل "العنقا – عاصف 1 – عاصف 2 – هبوب – سموم"، وأصبح قطاع صناعة المسيرات واعدًا، وبات دخوله مغريًا للشركات؛ سواءً القطاع الحكومي أو تلك التي تعمل في القطاع الخاص
ووقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI)، اتفاقية التوطين لشركات المجموعة مع شركة “بايكار”، التي تستهدف تصنيع الأنظمة الإلكترونية والقطع الميكانيكية، وهياكل الطائرات، باستخدام المواد المركبة والتصنيع والاختبارات النهائية للطيران، إلى جانب تقديم خدمات التدريب والإسناد، كما وقعت الشركة الوطنية للأنظمة الميكانيكية (NCMS)، مذكرتي تفاهم مع شركة إسلسان وشركة روكتسان، لتوطين صناعة الذخائر والمستشعرات البصرية لمنظومة الطائرات المسيرّة وتصنيعها داخل السعودية.
يقول الخبير الاستراتيجي التركي، هشام غوناي: “إن تركيا لديها خبرة في مجال تصنيع المسيرات؛ ليس فقط على صعيد القطاع الخاص المتمثل في شركة “بيكار” التي يقودها سلجوق بيرقدار صهر الرئيس أردوغان؛ بل يعود تاريخ هذه الصناعات في الدولة التركية إلى تصنيع مسيرات العنقاء، وكانت تعتمد على التعاون التكنولوجي مع إسرائيل.
وأضاف غوناي، لـ”مواطن”، “الآن صناعة المسيرات التركية خاصت شوط كبير في تطوير هذه الصناعة محليًا، وتقدمت تكنولوجيا التصنيع التركية بشكل كبير حتى أصبحت من الدول الرائدة في هذا المجال، وتطبيع العلاقات مع السعودية بدأ ينعكس بشكل كبير على التعاون الاقتصادي بين البلدين، وكذلك التعاون العسكري، وفي القلب منها توطين صناعة المسيرات، وسيؤدي هذا التعاون إلى نقل تكنولوجيا صناعة المسيرات التركية للسعودية، وسيكون هناك استفادة مادية لتركيا بسبب حجم السوق السعودي”. وأشار “غوناي” أن إنشاء مصانع للمسيرات خارج تركيا مطروح ومتاح، وسبق طرح التعاون مع أوكرانيا وبولندا، ولا توجد عوائق حول إنشاء وحدات تصنيع في السعودية.
وكانت السعودية قد بدأت في أكتوبر 2021، مشروعًا لإنتاج الطائرة المسيرة محلية الصنع “حارس الأجواء”، ووقعت الهيئة العامة للصناعات العسكرية عقدًا لتطوير طائرة “سكاي جارد” مع “الشركة السعودية للصناعات العسكرية”، بهدف بناء قاعدة ابتكارية تقنية رائدة، من خلال تطوير وصناعة وتوطين منظومات الطائرات بدون طيار، بحسب ما أفادت وكالة “واس” السعودية للأنباء، كما وقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية، اتفاقية مع “مركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية” للعمل على تطوير الطائرة التي تعد “إحدى نتائج مشاريع البحث والتطوير المتعددة في المركز، للوصول إلى منتج وطني يتوافق مع متطلبات الجهات المستفيدة”.
كما تنتج السعودية حاليًا مسيرات محلية؛ مثل “العنقا – عاصف 1 – عاصف 2 – هبوب – سموم”، وأصبح قطاع صناعة المسيرات واعدًا، وبات دخوله مغريًا للشركات؛ سواءً القطاع الحكومي أو تلك التي تعمل في القطاع الخاص؛ إذ بدأت التوجه نحو هذه الصناعة، نظرًا إلى انخفاض التكلفة بالنسبة للمستخدم النهائي مقارنة بالطائرات التجارية، أو الطائرات العمودية “الهليكوبتر”؛ إذ تؤدي المسيرات المهمة ذاتها، بالإضافة إلى سرعة تصنيعها. حد قول الخبير في الشؤون الاستراتيجية والعلوم العسكرية، الدكتور محمد بن صالح الحربي، لـ”مواطن”.
صناعة المسيرات المدنية
وفي القطاع المدني، اتفقت شركة “التميز” السعودية القابضة، في أغسطس الماضي، مع شركة “أبروبوتيكس” الأميركية المحدودة، لإنشاء بنية تحتية خاصة بصنع طائرات مسيّرات مدنية. ويشمل الاتفاق السعودي- الأميركي إنشاء مكتب محلي مشترك في الرياض من أجل توطين أنظمة وحلول الطائرات من دون طيار ذاتية القيادة، التي تطرحها الشركة الأميركية، كما يتضمن توفير حلول البيانات للجهات الحكومية والتجارية على حد سواء باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وكشف عبدالله زيد المليحي، رئيس الشركة أن الطائرات المسيّرة المصنعة في السعودية لها استخدامات واسعة في البلاد؛ لا سيما فيما يخص عمليات التوصيل إلى المنازل من خلال دعمها بتقنيات بواسطة الذكاء الاصطناعي بما يؤهلها للاستجابة من دون تدخل بشري، وهذا الصنف من الطائرات يمكن استخدامه في المصانع لمتابعة خطوط الإنتاج، ومراقبة التلوث البيئي؛ لا سيما في البحار والمحميات الطبيعية. كما كشف سلطان البريكان، الرئيس التنفيذي لشركة الأنظمة الجوية للصناعة، أنهم قد بدؤوا العمل على تصنيع طائرة”PD2″؛ في مدينة سدير للصناعة والأعمال؛ إذ تتمتع هذه الطائرة بمدى طيران يصل لـ 10 ساعات؛ فضلًا عن مدى اتصال يصل لـ 200 كيلومتر، بجانب ارتفاع يصل مداه حتى 5 آلاف متر، مبينًا أن مهمة الطائرة”PD2″ تعد ذات مهام مراقبة واستطلاع.
بدء الإنتاج والتصدير
وخلال معرض الدفاع العالمي الذي تم تنظيمه بالرياض في فبراير الماضي، تم عرض العديد من المسيرات محلية الصنع، تحمل أسماء مرتبطة بالهيئة المحلية ومنها،” العنقا – عاصف 1 – عاصف 2 – هبوب – سموم”.
“لقد صنّعنا طائرات عدة للجهات الحكومية؛ سواءً عسكرية أو حتى في إطار تجاري وتنموي؛ فمثلًا استخدمت شركة الكهرباء “درونز العنقا” في صيانة أبراج الجهد العالي الكهربائية لرفع كفاءة الشبكة؛ ما ساهم بتوفير نحو أكثر من 100 مليون ريال”. حد تصريح سطام القرقاح، رئيس مجلس إدارة شركة العنقا. أما شركة إنترا السعودية للتقنيات الدفاعية؛ فبعدما أنجزت صناعة طائرتي “عاصف1 – عاصف2 “، بدأت في تصديرهما إلى إسبانيا وجنوب إفريقيا، وفي الوقت ذاته كشفت عن تفاصيل طائرتها المسيّرة “سموم”، التي لا تزال في إطار مرحلة التجربة والتطوير؛ فيما تتمتع بسعر أقل مقارنة بتلك التي تتوافر في السوق، فيما تتمتع بقدرات دفاعية لافتة؛ إذ تحلق على ارتفاع نحو 30 ألف قدم؛ فضلًا عن تقليل نسبة المعادن المستخدمة فيها.
من المخطط أن تصل مساهمة الصناعات الدفاعية السعودية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى 95 مليار ريال (25 مليار دولار) عام 2030.
يرى “الحربي” أن المملكة تولي اهتمامًا كبيرًا لصناعة الطائرات المسيرة، وتم الكشف خلال في معرض الدفاع الذي أقيم في الرياض عن منظومة “عاصف”، إحدى الطائرات السعودية المسيّرة التي تتمتع بخصائص مميزة؛ أهمها أنها لا تحتاج إلى مدرج للإقلاع والهبوط، بالإضافة إلى طائرة حارس الأجواء “سكاي جارد”، أول طائرة بدون طيار صنعت بأيادٍ سعودية، وتستطيع الطيران لمدى 200 كم، ضمن نطاق الاتصالات ومدى أكثر من 700 كم عبر الأقمار الصناعية، والتحليق على ارتفاع 23 ألف قدم لمدة عشر ساعات متواصلة.
وأضاف لـ”مواطن” “تم عرض الدرون السعودي “سمُّوم”، وعرضت شركة إنترا للتقنيات الدفاعية السعودية ذخائر جو – أرض باسم “شلفا” وهي مصصمة لتحميلها على هذه الطائرة، ويرى “الحربي” أن مستقبل الدرون ينقسّم إلى ثلاث مراحل؛ تشمل التحليق على ارتفاعات عليا، والقتال في الحروب، والتجسّس بواسطة الطائرات مصغّرة الحجم، وستستطيع هذه الطائرات التحليق لأسابيع وربّما أشهر، أمّا “الدرون” التي ستحلّق على ارتفاعات عالية قد تصل إلى أكثر من ستّة كيلومترات؛ فستكون قادرة على إعطاء صورة بقطر 3000 كيلومتر وأكثر، لافتًا إلى أن المصنّعين باتوا يستوحون من الطبيعة تصميمهم لطائرات التجسّس الصغيرة، التي أصبح بعضها بحجم كفّ اليد، أو أصغر على شكل عصافير وحشرات.
هل تتحقق أهداف "رؤية 2030"
ومن المخطط أن تصل مساهمة الصناعات الدفاعية السعودية في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى 95 مليار ريال (25 مليار دولار) عام 2030، بحسب أحمد العوهلي، محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية، ويمثل هذا المبلغ نحو نصف حجم الإنفاق العسكري للبلاد. وتوقع “العوهلي” خلال مشاركته في ملتقى الميزانية 2023، أن تستقطب الصناعات العسكرية السعودية استثمارات مباشرة تتجاوز 37 مليار ريال (10 مليارات دولار)، ومثلها إلى مجال الأبحاث والتطوير المرتبط بها، أي ما يوازي 20 مليار دولار كاستثمارات إجمالية، بحلول 2030، والذي ستصل معه مساهمة الصناعة العسكرية بالإيرادات غير النفطية إلى 35 مليار ريال سنويًا.
وتشمل استراتيجية الهيئة لقطاع الصناعات العسكرية السعودية 74 فرصة في سلاسل الإمداد في 6 مجالات دفاعية وأمنية مستهدفة، تُقدّر قيمتها الاستثمارية بنحو 270 مليار ريال. كما ارتفعت نسبة توطين الصناعات العسكرية بما تشمله من معدات وخدمات عسكرية، من 2% عند تأسيس الهيئة في أغسطس 2017، إلى 11.7% بنهاية 2021. وتخطط الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI)، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، لتحقيق 5 مليارات دولار أرباحًا سنوية في 2030، وأن تصبح ضمن أفضل 25 شركة صناعات عسكرية على مستوى العالم قبل حلول هذا التاريخ.
النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأميركي مايك ميلروي، يرى أنه من مصلحة كل دولة أن تكون مكتفية ذاتيًا في العديد من الجوانب الحاسمة لدفاعها الوطني، ومن المؤكد أن إنتاج الأسلحة سيكون جزءً من ذلك، وهو ما تسير عليها السعودية في توطين صناعة وتشغيل الطائرات المسيرة. وأضاف “ملروي” لـ”مواطن”، أن الرياض لديها شركاء رئيسيين مثل الولايات المتحدة، وهناك تمويل غير مشروط من جانب الحكومة السعودية، وهو ما يجعل تحقيق أهداف رؤية 2030 الخاصة بالتصنيع العسكري أمرًا ممكنًا.
بدروه يقول الباحث في مركز الشرق الأوسط للسياسات “مقره واشنطن”، ماركو مسعد: “إن السعودية خصصت مبلغ 500 مليار دولار ضمن رؤية 2030، من أجل التحول لمركز إقليمي هام فيما يخص الصناعات التكنولوجية والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، وهي تسير بخطى ثابتة من أجل تحقيق هذا الهدف”. ويضيف “مسعد” لـ”مواطن”، أن المملكة أقامت عدة شراكات مع شركات كبرى للوصول إلى الأهداف المعلنة ضمن الرؤية، من أجل تحقيق ريادة سعودية في هذا المجال، لأن رؤية 2030 ترى أن الذكاء الاصطناعي ليس من الرفاهيات؛ بل جزء من مقتضيات الأمن القومي للدول.