فاز الصحفيون الفلسطينيون بجائزة اليونسكو غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة لعام 2024، بناءً على توصية هيئة تحكيم دولية مؤلفة من مهنيين عاملين في مجال الإعلام، تقديرًا وتضامنًا معهم ولعملهم وشجاعتهم. في ظل معاناة من ظروف مهنية وحياتية صعبة تحت احتلال وسلطة تشريعية متسلطة، بالإضافة للمناخ العام غير الآمن في المنطقة، وقد بلغ عدد القتلى من الصحافيين الفلسطينيين منذ بدء الحرب على غزة إلى 135 صحفيًا، حسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية.
ومثل كل عام، أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود عن التصنيف العالمي لحرية الصحافة؛ في نسخة 2024، عن تراجع المؤشر السياسي أكثر من أي من المؤشرات الخمسة التي تقوم عليها منهجية تقييم البلدان؛ حيث انخفض 7.6 نقاط، مشيرة إلى أن “هناك عددًا متزايدًا من الحكومات والسلطات السياسية التي لا تؤدي دورها المتمثل في توفير الإطار المناسب لضمان ممارسة الصحافة وحق المواطنين في الوصول إلى معلومات موثوقة ومستقلة ومتعددة”.
وأشارت المنظمة القائمة في باريس، إلى التدهور المقلق في دعم واحترام استقلالية وسائل الإعلام، بينما يقابل ذلك ارتفاعًا في الضغوط التي تمارسها الدول أو الجهات السياسية الفاعلة الأخرى على مهنة الصحافة وأهلها. كما اعتبرت الوضع خطيرًا للغاية في قُرابة نصف بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث أصبحت الإمارات العربية المتحدة تاسع دول المنطقة في الجزء الأحمر من الخريطة، أي شديدة الخطورة، لتلحق بكل من اليمن والمملكة العربية السعودية وإيران وفلسطين والعراق والبحرين وسوريا ومصر. كما تراجعت فلسطين إلى أسفل الترتيب بعدما أصبحت في صدارة البلدان الأكثر دموية بالنسبة للصحفيين في ظل الاحتلال والقصف الإسرائيلي، وبقيت قطر الدولة الوحيدة في المنطقة -شمال أفريقيا والشرق الأوسط- التي لا تشهد وضعًا صعبًا أو خطيرًا للغاية.
وفي الوقت الذي تشهد فيه جميع مناطق العالم ضغوطًا شديدة على الصحفيين في ظل مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي تلوح في الأفق، بقيت البحرين في ذيل دول الخليج، فيما يتعلق بحرية الصحافة في المرتبة 173 من أصل 180 دولة، بعد أن كانت في المرتبة 171 العام الماضي؛ واحتلت السعودية المرتبة 166 متقدمة عن العام الماضي بأربع نقاط، والإمارات في المرتبة 160 بعد أن كانت في المرتبة 145 العام الماضي، وعمان في المرتبة137 بعد أن كانت في المرتبة 155 العام الماضي، واحتلت الكويت المرتبة 131، بعد أن كانت في المرتبة 154 العام الماضي؛ بينما نجد قطر تعلو السلم الخليجي في المرتبة 84 مرتفعة 19 مرتبة في المؤشر.
إعلام بلون واحد
في تعليق لها على تصنيف دول الخليج، قالت الكاتبة والصحفية البحرينية د. خولة مطر: “تضاءلت حرية التعبير في معظم دول الخليج تدريجيًا، حتى أصبحت معظم الصحف والمحطات التلفزيونية وكل وسائل الإعلام ذات لون واحد؛ بل وصوت واحد، حتى عناوين الأخبار وتلك التي تتصدر وسائل التواصل الاجتماعي في معظمها متشابهة؛ بل متطابقة؛ فلا يكلف أحدهم تغيير العنوان ولا صياغة الخبر”.
د. محمد اليحيائي، لمواطن: "قوانين المطبوعات والنشر وقوانين الإعلام، وقوانين المعلومات هي قوانين لم يؤخذ فيها رأي المختصين والمشتغلين في الإعلام والصحافة؛ بل تم إقرارها داخل أروقة وزارات الإعلام والحكومات، وهو ما سبب ضعف الإعلام في دول الخليج".
وأضافت لمواطن: “مع الوقت، تقلصت حرية الصحافة قبل عدة سنوات؛ خاصة بعد 2011 وما تلاها من تداعيات في دول عربية مختلفة، ولم يقتصر هذا التراجع على الأخبار ذات الطابع السياسي أو الاقتصادي الذي قد يشكل -في نظر المعنيين والمسؤولين- تهديدًا للسياسات العامة؛ بل تعدى ذلك ليصل إلى كل الموضوعات الأخرى، بما في ذلك الثقافية والفنية”.
وترى أن حرية الصحافة “انعكاس لحرية التعبير بشكل عام، هذا إذا ما توافقت أو مُنعت أو تقلصت؛ فإنها تنعكس بشكل سلبي حاد على الصحافة والإعلام، وفي ذلك انتهاك لحق المواطن في المعرفة ليصنع قراراته الحياتية والمصيرية”. كما أشارت إلى أنه “لا حرية للصحافة في دول الخليج إلا تلك المرتبطة بالخطاب الرسمي الموجه بشدة حد الاستخفاف بعقلية المستمع أو القارئ أو المتابع بشكل عام”.
لا صحافة حرة
وقال المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان خالد إبراهيم، لمواطن: “لا توجد صحافة حرة أو مستقلة في السعودية، ويجري فيها بانتظام استهداف الصحفيين إضافة للمدونين وناشطي الإنترنت، الذين يعبرون عن آرائهم المخالفة لرأي السلطات بالاعتقال والسجن والتعذيب، والقتل أحيانًا. أما البحرين فلا توجد فيها منابر مستقلة، وفي كلا البلدين تجري مصادرة الرأي الآخر وإنشاء المنابر المسيسة التي لها مهمة واحدة؛ وهي التطبيل للحاكم، يجب أن نذكر أيضًا الذباب الإلكتروني الذي يعمل على مصادرة حرية التعبير على الإنترنت ومراقبة ناشطيه”.
كما أشار إلى أن حرية التعبير وحرية الصحافة في بلاده العراق في خطرٍ داهم: “بالرغم من وجود عدد من المنابر المستقلة والصحفيين المستقلين، وذلك بسبب القيود المخالفة للدستور، والتي تحاول السلطات فرضها دائمًا، إضافة إلى عمليات الاغتيال التي قامت بها المجموعات المسلحة التي لا تخضع لسلطة الدولة، حتى جعلت الصحفيين يفرضون على أنفسهم رقابة ذاتية تحد من حريتهم في التعبير”.
ويتفق معه الكاتب والصحافي العماني د. محمد اليحيائي: “الأمر في العراق يختلف عنه في السعودية والبحرين، صحيح أنها جميعها في آخر القائمة، إلا أن العراق ازدادت ضعفًا وتراجعًا منذ 2003، مقابل صعود قوى تلعب أدوارًا خارج إطار الدولة، كالمليشيات والأحزاب، وتمارس تهديد الصحفيين ووسائل الإعلام، وقد تعرض عدد من الصحفيين للقتل. أما في السعودية والبحرين فقد وجدنا إشكال مركزية الدولة مقابل ضعف المجتمع المدني وغياب دور النقابات المهنية، وهنا نتحدث عن نقابة الصحفيين أو جمعية الصحفيين كما يطلق عليها في هذه البلدان؛ فجمعيات الصحفيين في الخليج كله هي جمعيات شبه حكومية، مرخصة وممولة من الحكومة، وبالتالي هي لا تستطيع أن تمارس دور حماية حقوق الصحفيين والإعلاميين في هذه الدول”.
د. خولة مطر، لمواطن: "يحزنني أن الكثير من الصحفيين الخليجيين لا يعرفون عن مهنتهم إلا الممارسة الروتينية التي يفرضها عليهم رئيس أو مدير التحرير ومن خلفهم، هناك تسطيح شديد للعمل الصحفي أدى إلى انتشار صحافة بلهاء، لا ينصت لها الشارع الخليجي ولا يقرؤها ولا يثق بها".
وفي تعليقه على انضمام الإمارات لقائمة البلدان شديدة الخطورة، قال إبراهيم: “هي لا تختلف عن السعودية؛ فلا يوجد فيها منبر صحفي واحد مستقل، والرأي الآخر مصادر بالكامل، والعقلية السائدة لدى السلطات هي أن مهمة الإعلام والصحافة في التطبيل والتزمير للأسرة الحاكمة فقط”.
واعتبر اليحيائي أن التشريعات هي أحد أسباب تراجع الصحافة في الخليج كما يقول: “تأتي دول الخليج عادة في آخر القائمة، لأن التشريعات التي تكفل حريات الصحافة والتعبير هي تشريعات منحازة تمت صياغتها من خلال السلطات التنفيذية والحكومات في هذه الدول؛ فقوانين المطبوعات والنشر وقوانين الإعلام، وقوانين المعلومات هي قوانين لم يؤخذ فيها رأي المختصين والمشتغلين في الإعلام والصحافة؛ بل تم إقرارها داخل أروقة وزارات الإعلام والحكومات، وهو ما سبب ضعف الإعلام في هذه الدول”.
وخلال حديثه أشار إلى أنه “مع الوقت ومع التجربة، أصبح لدى الصحفيين العاملين في القطاع فهم خاص لما يقال وما لا يقال؛ ما أدى إلى تضخم الرقابة الذاتية لديهم، فلا يستطيعون مقاربة ما يعتقدون أنه غير مرغوب في مقاربته من قبل الدولة والمؤسسات”.
الهوس الأمني
تعقب د. خولة مطر عن الصعوبات التي تواجه الصحافة في الخليج قائلة: “أبرز الصعوبات هي أن هامش الحرية والتحرك في العمل الصحفي على مختلف مستوياته يبدو محدودًا ومرسومًا للصحفيين من قبل المسؤولين في تلك المؤسسات الصحفية، وتوضع لهم خطوط حمراء لا يسمح لهم بتجاوزها من قبل المؤسسات الأمنية؛ فحين يسيطر “الهوس” الأمني الضيق وشديد التخلف على مفاصل المعرفة في أي بلد؛ فمن المحتم أن يفقد الصحفي أي قدرة على طرح أو مناقشة القضايا التي تمس حرية المواطنين ومعيشتهم، وكذلك قضايا التعليم والصحة والحق الإبداع”.
ووصفت المشهد الصحفي اليوم بـ”المحزن”، لأن الكثير من الصحفيين لم يعرفوا إلا ما يسمح لهم بممارسته أو ما فرض عليهم، بكونه “ليس عملاً صحفيًا حقيقيًا، وأصبح الصحفيون وكأنهم سعاة بريد ينقلون الرسائل التي يطلب منهم نقلها، ولا يستطيعون طرق موضوعات يرونها من صميم العمل الصحفي، حتى اختفت الصحافة الاستقصائية تمامًا رغم أنها كانت محدودة”.
ووثقت رابطة الصحافة البحرينية نحو 53 انتهاكًا بحق الصحفيين والإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني خلال العام 2023، ووصف تقرير الرابطة سياسة الحكومة بأنها “متطرفة تجاه الكتابات والمنشورات التي تتعلق بتاريخ البحرين، بما يشمل مصادرة الكتب ومنع تداولها واستهداف الباحثين والأكاديميين المشتغلين في هذا الحقل، “يأتي ذلك بالتزامن مع أفق الإصلاح الذي ما زال مسدودًا جراء حزمة القوانين والإجراءات والمحاكمات القامعة لحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير”. حسبما جاء في التقرير.
كيف نغير الوضع؟
بعد وصف مراسلون بلا حدود وضع حرية الصحافة في المنطقة بأنه خطير جدًا، تعالت أصوات الصحفيين وخصوصًا المستقلين منهم بتحسين وضع الصحافة عبر المطالبة بعدة نقاط؛ فترى خولة مطر أنه “لا يمكن تحسين الوضع دون نضال من أجل الدفاع عن حرية التعبير”، وحمّلت الصحفيين والإعلاميين مسؤولية الاستسلام لهذا الواقع الذي يتم فيه التضييق على حرية طرح القضايا المهمة للمواطنين.. حسب تعبيرها.
كما حمّلت المؤسسات أو النقابات أو الجمعيات التي يقع في صلب عملها ومسؤولياتها الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير والحريات العامة، المسؤولية؛ قائلة: “فنقابات وجمعيات الصحفيين والإعلاميين أصبحت واجهة أخرى من واجهات السلطة؛ بل أحيانًا أشد قبحًا منها، مثلما يحدث مع بعض الدول المطبعة مع إسرائيل في الخليج، والتي وجهت جمعيات الصحفيين في دولها للتطبيل لتلك الاتفاقيات والسياسات وزيارة الكيان الصهيوني، ونشر الصور مع زعماء الإبادة الجماعية للفلسطينيين”.
ونادت بنضال الصحفيين للدفاع عن حقوقهم؛ بل الحق في المعرفة لكل مواطن، وقيام كثيرين في العديد من العواصم الخليجية بالحوار حول أهمية اتساع مساحات الحرية الصحفية، وفتح المجال لحرية التعبير، والحق في تشكيلهم لنقابات أو جمعيات تدافع عن مصالحهم؛ وخاصة حقهم في التعبير بحرية دون خوف من بطش أو فصل أو اعتقال، بالإضافة لنضالات ضد بعض القوانين المجحفة. “أما الآن فلا صوت للصحفيين الخليجيين سوى أولئك الذين ناضلوا، وتمت محاصرتهم حتى هاجروا أو أجبروا على الرحيل للعمل في مؤسسات خارج أوطانهم، وظل من بقي جالسًا في نفس المربع يرسم حدوده شخص ما يجلس في مكتب معتم ويفكر بنفس العتمة”.
ويرى خالد إبراهيم أن على حكومات دول الخليج إذا أرادت تحسين سمعتها المتدهورة في هذا المجال، أن تحمي الحريات العامة، وحرية الصحافة، والعمل الجاد من أجل دعم المنابر الإعلامية المستقلة، واحترام الرأي الآخر، ويجب أن تفهم السلطات أنه لا إبداع ولا مستقبل زاهرًا دون احترام الحقوق المدنية والإنسانية للمواطنين.
يضيف محمد اليحيائي، أن المخرج يأتي من اتجاهين: “الأول هو الدفع باتجاه وجود تشريعات عادلة تحترم الحريات وتكفل حقوقًا واضحة للصحفيين، تسمح لهم بمقاربة الشأن العام دون خوف، والجانب الآخر هو تطوير الجانب المهني؛ فهناك ضعف مهني للعاملين في القطاع؛ فهم لم يتلقوا تدريبًا أو تعليمًا جيدًا في أصول هذه المهنة، ويعملون في مناخ مؤسساتي غير مهني، ووزارات الإعلام في هذه الدول مرتاحة لهذا الضعف المهني، لأن المعرفة المهنية هي التي تجعل من الصحفيين قادرين على التمييز، والعبور بين ما هو محظور وما هو غير محظور، وكيفية التحرك بين الخطوط الحمر والصفر”.
واتفقت معه د. خولة ورأت أن، “نتيجة لكل هذا التضييق على حرية الصحافة والتعبير، يحزنني أن الكثير من الصحفيين الخليجيين لا يعرفون عن مهنتهم إلا الممارسة الروتينية التي يفرضها عليهم رئيس أو مدير التحرير ومن خلفهم، هناك تسطيح شديد للعمل الصحفي أدى إلى انتشار صحافة بلهاء، لا ينصت لها الشارع الخليجي ولا يقرؤها ولا يثق بها”.
وفي ذات السياق طالبت رابطة الصحافة البحرينية الأمم المتحدة والدول الصديقة للبحرين، وكافة المنظمات والهيئات الدولية المعنية بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام، التدخل العاجل وممارسة الضغط على الحكومة البحرينية من أجل الإفراج الفوري دون قيد أو شرط عن جميع المصورين والإعلاميين ونشطاء/ ناشطات المجتمع المدني المحتجزين بسبب مزاولتهم عملهم، أو ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير، وتبني سياسة حكومية أكثر جدية وانفتاحًا تجاه حقوق الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني في ممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية في التعبير عن الرأي، وممارسة حق النقد دون خوف أو استهداف.
يُذكر أن الأمم المتحدة احتفت هذا العام في اليوم العالمي للصحافة البيئية “بأهمية الصحافة وحرية التعبير في سياق الأزمة البيئية العالمية الحالية”، وقالت إن “الصحفيين يواجهون تحديات كبيرة في البحث عن المعلومات بشأن القضايا المعاصرة ونشرها، مثل مشاكل سلاسل التوريد، أو الهجرة المناخية، أو الصناعات الاستخراجية، أو التعدين غير القانوني، أو التلوث، أو الصيد غير المشروع، أو الاتجار بالحيوانات، أو إزالة الغابات، أو تغير المناخ. إن ضمان وضوح هذه القضايا هو أمر مهم جدًا لتعزيز السلام والقيم الديمقراطية في كافة أنحاء العالم”.