بين نسوية الهاشتاج وحركات الاحتجاج بالتعري.. هل حصلت المرأة على حقوقها؟
منذ الثورة الفرنسية، خاضت الحركات النسوية رحلة طويلة ومليئة بالتحديات؛ فمن المطالبة بحقوق التصويت والمساواة في الفرص، إلى ثورة “أنا أيضًا”، وموجة “الهاشتاغ” النسوية؛ واصلت النساء النضال من أجل المساواة والعدالة، لكن في عصرنا الحالي، تواجه النسوية مأزقًا جديدًا؛ فبينما حققت الحركات النسوية إنجازات عظيمة، ما زالت النساء تواجه التمييز والعنف وعدم المساواة في مختلف جوانب الحياة، وتزداد حدة الجدل حول مستقبل النسوية مع ظهور مصطلحات مثل “الموجة الرابعة” و”ما بعد النسوية”؛ فهل انتهى عصر النسوية؟ أم أنها بحاجة إلى إعادة تعريف؟
يزداد الجدل في عالم "ما بعد النسوية" حول مستقبل الحركة النسوية؛ فهل نجحت النسوية في تحقيق أهدافها؟ أم أنها؛ ما زالت بحاجة إلى إعادة تعريف؟ هل ما بعد النسوية هو مجرد اتجاه عابر، أم يمثل ثورة فكرية جديدة؟
تثير “ما بعد النسوية” تساؤلات حول شمولية الحركة النسوية واتجاهاتها الجديدة وفعالية أساليبها؛ فهل تنجح في معالجة قضايا مثل النظام الأبوي، والجسد الأنثوي، والعدالة الاجتماعية؟ لا شك أن الحركات النسوية بحاجة إلى تطور وتجديد، لكن لا يمكن إنكار دورها في تحقيق التغيير؛ فما زالت النساء في جميع أنحاء العالم يواجهن تحديات هائلة، ويحتجن إلى أصوات قوية للدفاع عن حقوقهن.
في هذه المقالة، سنناقش التحديات والفرص التي تواجهها الحركة النسوية في القرن الحادي والعشرين، وسنتناول مختلف الاتجاهات النسوية، ونبحث عن إجابات على الأسئلة الحاسمة حول مستقبل النضال من أجل المساواة.
وبالقطع مثلت حركة مثل “أنا أيضًا” نقطة تحول هامة في تاريخ النسوية ومنحت النساء منصة للتحدث عن تجاربهنّ مع التحرش والاعتداء الجنسي، وكسرت حاجز الصمت الذي فرضه المجتمع عليهنّ لقرون. لكنّ التركيز الحصري على قضايا الجنس والاعتداء حجب عنّا أبعادًا أخرى للظلم الذي تتعرض له النساء؛ فما زالت النساء تواجهن تمييزًا في مختلف مجالات الحياة، من العمل والتعليم إلى الرعاية الصحية والتمثيل السياسي.
لكن الخوف لعب دورًا هامًا في تغيير مسار حركة “أنا أيضًا” ونسوية الهاشتاغ؛ فبدلًا من أن تُصبح منصة للتضامن والتعافي، تحولت أحيانًا إلى ساحة صراع وكراهية بين الجنسين، ومال خطاب الحركة إلى التركيز على اتخاذ الرجال دائمًا موضوعًا للإدانة، ومن تبرئة النساء غاية قصوى؛ ما فتح بابًا لتصفية الحسابات في بعض الأحيان، لذلك وجب تحرير الفكر النسوي من هذه الحركات الفردانية، التى وجدت في وسط طبقة معينة ترغب في السطو بثقافتها على كل النساء، وتستبعد الطبقات المهمشة المسحوقة والمفقرة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا.
بعد أن انطلقت من جذور اشتراكية تُنادي بحقوق الطبقة العاملة، للمطالبة بحقوق المرأة والمساواة في الفرص وحق الاقتراع، والحصول على الحقوق الإنجابية، وإنهاء التمييز ضد النساء، وتحرر واستقلالية النساء وقضايا أخرى في شؤون المرأة، إلى سباق لقمعها والتقليل من شأن مكتسبات الحركة النسوية مع تدخل العديد من الأطراف، وتحولها إلى حركة يتم استمالتها من قبل هياكل السلطة، وهو عمل تخريبي بحيث لا تعد تشكل تهديدًا لهم على المدى الطويل، وتكمن مظاهر التخريب في قيام حكومات بعض الدول بإلغاء قرارات كانت تعد من مكاسب الحركة النسوية؛ مثل حظر الإجهاض في أمريكا، ومحاولة إلغاء حظر الختان في غامبيا، يتضح هنا أنهم إذا نجحوا في إلغاء تلك القرارات؛ فهدفهم القادم سيكون إلغاء المزيد من القوانين التي تحمي حقوق المرأة. ومع ذلك أعتقد أن جميع الحركات الحقوقية لديها الحق في فترة تصحيح مسار، وتلك الفترة الانتقالية هي ما تمر به الحركة النسوية الحديثة الآن.
موجات الحراك النسوي
تدور الحركة النسوية ما بعد الألفية حول المعارضة داخل النسوية، بقدر ما تدور حول تعديل النظرية النسوية؛ فهناك قدر كبير من الانتقادات الموجهة للنسوية ذاتها، مما أدى لتسويق فكرة أن “نسوية الاختيار” ستشكل عصر ما بعد النسوية، وبالنظر إلى حقيقة أن الأهداف الرئيسة للنسوية اختلفت خلال تاريخها؛ فإن معظم المنظرين يفضلون تصنيفها في موجات.
الموجة النسوية الأولى (نسوية المساواة)، التي امتدت بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، لتُشكّل مرحلةً مفصليةً في تاريخ النضال من أجل حقوق المرأة، نشأت هذه الموجة في خضمّ بيئةٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ اتّسمت بالتغيّرات الجذرية؛ حيث برزت الثورة الصناعية، وازدادت قوّة الأفكار الاشتراكية والليبرالية، ويمكن تلخيص سمات هذه الموجة النسوية في النقاط التالية: التركيز على المساواة القانونية، والنضال من أجل تحسين ظروف العمل، والدعوة لتحرير الجسد، والتأثر بالأفكار الليبرالية والاشتراكية.
ومن أهمّ إنجازات هذه الموجة النسوية؛ الحصول على حقّ التصويت الانتخابي، وتحسين ظروف العمل، بالإضافة إلى زيادة الوعي بقضايا المرأة. ومع ذلك، فقد واجهت نسويات الموجة الأولى بعض الانتقادات؛ أهمّها: تركيزهنّ على حقوق الطبقة المتوسطة، وإغفالهنّ لتنوع تجارب النساء، وإقصاء بعض الفئات كالنساء الملونات والمثليات.
الموجة الثانية للنسوية: ثورة الحقوق والهوية، ويُشار إلى فترة النشاط النسوي المكثف بين أواخر الخمسينيات وتسعينيات القرن العشرين كموجة نسوية ثانية، تميزت هذه الحقبة بتحديها للأدوار الجنسانية التقليدية، والمطالبة بالمساواة في جميع المجالات، مع التركيز بشكل خاص على الحقوق الجنسية والإنجابية، على عكس الموجة النسوية الأولى التي ركزت بشكل أساسي على نضالات نساء الطبقة الوسطى البيضاء. ضمّت الموجة الثانية نساءً من مختلف الأعراق والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، وتمثلت أهدافها في المطالبة بتحقيق المساواة القانونية والاقتصادية بين الجنسين، والحقوق الجنسية والإنجابية؛ كالإجهاض وتحديد النسل، بالإضافة إلى إعادة تعريف الأدوار الجنسانية النمطية التقليدية، والدعوة إلى تقاسم المسؤوليات الأسرية بشكل عادل بين الجنسين ومكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة.
أما الموجة الثالثة للنسوية فقد نشأت في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، كاستجابة لبعض الثغرات الملحوظة في الموجة النسوية الثانية، سعت هذه الموجة إلى جعل النسوية أكثر شمولية وتطبيقية، مع التركيز على تجارب المرأة من مختلف الأعراق والطبقات الاجتماعية والخلفيات الجنسية، وركزت على التنوع والنقد الذاتي والتعبير الفردي والنهج الشعبي والجماهيري في عرض وطرح القضايا.
لا تمثل موجات النسوية مجرد تقسيمات زمنية جامدة؛ بل جسّدت رحلةً فكريةً ديناميكيةً تراكمت فيها الأفكار وتطورت عبر الزمن؛ فكل موجة بُنيت على ما سبقها، مُدخلِةً أفكارًا جديدةً وتوسيعًا لنطاق النضال، وهناك أيضًا اتجاهات مختلفة للنسوية ضمن هذه الموجات، عادة ما تشمل الاتجاهات النظرية النسوية الليبرالية والراديكالية والاشتراكية والماركسية والثقافية، وما بعد الحداثية والبيئية.
ويُعدّ مصطلح ما بعد النسوية مفهومًا شائكًا داخل الدوائر النسوية، نظرًا لتعدد التفسيرات والنظريات المرتبطة به. يرى البعض أنّه يمثل نهاية الحركة النسوية، وأنّ أهدافها قد تحققت ولم تعد ذات صلة بمجتمع اليوم، بينما يرى آخرون أنّ “ما بعد النسوية” هو امتدادٌ طبيعيٌّ للحركة النسوية، مع ضرورة توسيعها لتشمل التوقعات والتجارب المتغيرة للنساء في ظلّ العصر الحديث.
لم يكن ظهور المصطلح جديدًا؛ فقد ظهر للمرة الأولى في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وربط بعض المفكرين حقبة الثمانينيات بأكملها بما بعد النسوية، مدّعين أنّ الحركة النسوية قد حققت جميع أهدافها ولم تعد ذات صلة بحياة النساء، يُخطئ هذا الادعاء في تجاهل التحديات التي ما زالت تواجه المرأة في مختلف أنحاء العالم؛ ففي الوقت الذي حققت فيه الحركة النسوية إنجازاتٍ هامّةً؛ فما زالت المرأة تُناضل من أجل المساواة في الحقوق والفرص في جميع مجالات الحياة.
الخوف لعب دورًا هامًا في تغيير مسار حركة "أنا أيضًا" ونسوية الهاشتاغ؛ فبدلًا من أن تُصبح منصة للتضامن والتعافي، تحولت أحيانًا إلى ساحة صراع وكراهية بين الجنسين، ومال خطاب الحركة إلى التركيز على اتخاذ الرجال دائمًا موضوعًا للإدانة، ومن تبرئة النساء غاية قصوى.
توصف “ما بعد النسوية” على أنها تقاطع ما بعد الحداثية وما بعد الاستعمار وما بعد البنيوية، مما يجعل نظريات “ما بعد” تلك جزء إضافيًا من أساسها النظري، ومن المفترض أن تكون نتيجة هذا التقاطع قدرة جديدة على معالجة المشكلات النسوية مثل النظام الأبوي، من ناحية أخرى يتم تقديم “ما بعد النسوية” من قبل وسائل الإعلام كبديل حديث للنسوية القديمة، مما يجعلها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمجتمع الاستهلاكي، وهنا يمكن القول بأن قواعد ونماذج “ما بعد النسوية” تمليها ثقافة الاستهلاك.
تبدو الآثار الاجتماعية لما بعد النسوية مختلطة، ومن المؤكد أن هناك حرية في حقبة ما بعد النسوية للنساء للتعبير عن أنفسهن، حتى إن كان ذلك في حدود ضيقة، ولكن هناك أيضًا تشييء للجسد الأنثوي، واختزال قيمة الأنثي في جسدها، لم تحلّ “ما بعد النسوية” هذه المشكلة، على الرغم من محاولتها تعريض الجسد في أماكن الاحتجاج، وإخفاءه من خلال اتجاهات الموضة المختلفة، أدى ذلك حتمًا إلى السؤال المزعج: “لماذا ما زالت النساء اللاتي يعرضن أجسادهن بشكل واضح الآن غير آمنات من التحرش الجنسي، أو أنواع أخرى من الجرائم الجنسية؟”.
وكما قدمت كل موجة نسوية مزيجًا جديدًا من السلوك السياسي والشخصي؛ فقد ابتكرت “ما بعد النسوية” نسختها الخاصة من خلال القضاء فعليًا على أي شكل من أشكال النشاط السياسي التقليدي؛ إذ يعتبر ذلك هو المكان الذي تختلف فيه الموجة الثالثة عن “ما بعد النسوية”، تميل تلك الموجة بشدة نحو التعبير الفردي والشخصي؛ فإنها تعمل على تحقيق مجموعة ثابتة من الأهداف، مثل تقبل وجهات النظر المختلفة، وغياب وجود حقائق مطلقة أو موضوعية.
مواضيع ذات صلة
إن النضال من أجل تكريس حركة حقوقية جديدة أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، حركة يكون قوامها الاعتراف باحترام وكرامة وقيمة المرأة، لتكن حركة في اتجاه القضاء على الهياكل الهرمية القائمة التى تضع الذكر فوق الأنثى، والأهم هو تحقيق ذلك من خلال حركة غير سياسية، حركة نابعة من الشارع في مجموعة متنوعة من مختلف أحوال المرأة المعتادة؛ سواء ربة منزل أو موظفة، وليس المناظرات القياديات اللواتي يعملن لخدمة مصالحهن الشخصية في أغلب الأحيان، ليست التسمية هي ما يهم؛ سواء نسوية أو ما بعد نسوية أو غيرها؛ ما يهم هو أن تطبع بطابع البيئة التي ستنشأ فيها؛ فقد شهدنا على مر السنوات أن استيراد القوالب والمفاهيم وتطبيقها في غير مكانها؛ إما تأتي بنتائج عكسية، أولا تأتي بنتائج من الأساس؛ فما زالت نساء الغرب الحديث يناضلن من أجل حق الإجهاض وتقرير خياراتهن، وتراجع مكانتهن في مجتمعاتهن، ونساء الشرق يخضن حروبهن على أكثر من جبهة؛ بين بلد يرزح تحت احتلال أو نزاع مسلح، وبين المفاضلة بين السيئ والأسوأ.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.