“انتشار عمليات التجميل بين الرجال السعوديين”.. هوس أم ضرورة علاجية؟
بعد سنوات قضاها معانيًا من التنمر بسبب السمنة، تمكن المواطن محمد ساعدي (29 عامًا) من إنهاء المشكلة بعد الخضوع لجراح شفط الدهون بأحد مراكز التجميل المنتشرة بالمملكة، وتحديًدا في العاصمة الرياض، ثم بعد أشهر أجرى عملية أخرى لزراعة الشعر داخل المركز نفسه، ليتجاوز بذلك عقدتين طالما سببتا له أزمة ثقة وعدم رضا عن شكله، كما يقول لمواطن.
أما عبد الله (34 عامًا) والذي أجرى عملية تجميل للأنف قبل سنوات فيقول: “إن الأمر لم يعد حكرًا على النساء، ومن حق أي إنسان أن يحصل على شكل جميل يرضى عنه، ولا يشُعره بعدم الثقة؛ خاصة أن الموضوع ليس محرمًا من الناحية الدينية، لكن المجتمع يضع الكثير من القيود على مثل هذا السلوك للرجال ويعتبره قاصرًا على المرأة، وهذه نظرة غير صحيحة، يجب تغييرها مثل العديد من العادات البالية في المجتمعات العربية، وفي النهاية كل إنسان حر في جسده”.
وكشف إحصاء لـ"يورمونيتور إنترناشينول" أن 58% من الرجال السعوديين، يفكرون في إجراء عمليات تجميل، تتنوع من الليزر إلى زراعـة الـشعـر، والجراحات التجميلية، كما أن 48% من الذين خضعوا بالفعل لعمليات التجميل، تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عامًا.
وتشهد المملكة العربية السعودية ازديادًا ملحوظًا في إقبال الرجال على عمليات التجميل؛ حيث تُظهر الإحصائيات أن 48% من السعوديين الذين خضعوا لعمليات تجميل هم من الرجال، وأن 58% من الرجال السعوديين يفكرون في إجراء عمليات تجميلية.
وتحتل السعودية، منذ سنوات، المرتبة الأولى عربيًا في عدد عمليات التجميل للرجال، وذلك حسب إحصائيات الجمعية الدولية لجراحة التجميل (ISAPS)؛ حيث تسجل المملكة سنويًا نحو 95 ألف عملية تجميل للرجال، وهو ما يمثل 30% من إجمالي عمليات التجميل في المملكة منذ عام 2016، بدأت في التزايد الملحوظ مؤخرًا، كما أنها من ضمن أكثر 25 دولة في العالم تنتشر فيها عمليات التجميل.
ويقول استشاري جراحات التجميل بالمملكة الدكتور لؤي السالمي، لمواطن: “إن زيادة إقبال الذكور على عمليات التجميل تعد ظاهرة عالمية بدأت في التزايد خلال السنوات الأخيرة، وتشهد المملكة العربية السعودية إقبالًا ملحوظًا من جانب الرجال لإجراء بعض العمليات التجميلية؛ حيث تشير الإحصاءات إلى أن 30٪ من عمليات التجميل في السعودية تجرى للرجال”.
ويعود هذا الارتفاع بحسب السالمي، إلى عدة عوامل، تشمل ازدياد الوعي بأهمية المظهر؛ حيث أصبح الرجال أكثر اهتمامًا بمظهرهم الخارجي، ويرون في عمليات التجميل وسيلة لتحسينه وتعزيز ثقتهم بأنفسهم. كذلك لم تعد عمليات التجميل حكرًا على النساء؛ بل أصبحت مقبولة بشكل متزايد بين الرجال في المجتمع السعودي.
وتُساهم وسائل التواصل الاجتماعي -بحسب السالمي- أيضًا في نشر صور المشاهير الذين خضعوا لعمليات تجميل، مما يخلق شعورًا لدى بعض الرجال بأنهم بحاجة إلى إجراء نفس العمليات لتحسين مظهرهم.
دوافع نفسية
يقول الدكتور خالد الغامدي، استشاري الطب النفسي بالمملكة لمواطن: “إن عمليات التجميل بالنساء، بينما كان اهتمام الرجال ينصبّ على أمور أخرى، إلا أنّ ظاهرة اهتمام الرجال بعمليات التجميل قد بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة؛ خاصة في المملكة العربية السعودية؛ حيث تشير الدراسات إلى أنّ 20-30% من الرجال السعوديين يلجؤون إلى هذه العمليات”.
ويُفسر الغامدي هذا الميل الفطري للمرأة بالرغبة في جذب انتباه الرجل وإرضاء غريزة الجمال لديها، كما أنّ تركيبتها الجسدية تُشجعها على الاهتمام بالتفاصيل الجانبية التي تُبرز جمالها، بينما كان تركيز الرجل في الماضي ينصبّ على توفير لقمة العيش، ولم يكن يهتم كثيرًا بمظهره الخارجي، لكن مع تحسن مستوى المعيشة، أصبح لدى الرجال وقت فراغ وفائض مادي يسمح لهم بالعناية بمظهرهم الخارجي.
يعاني نحو 40 إلى 60% من الرجال حول العالم من التثدي، الأمر الذي يثير السخرية وعدم الثقة بالنفس، لذلك تسهم الجراحات التجميلية في إزالة الدهون من تلك المناطق الصعبة، وتعديل شكلها بحيث تصبح لائقة للرجال.
وكشف إحصاء لـ”يورمونيتور إنترناشينول” أن 58% من الرجال السعوديين، يفكرون في إجراء عمليات تجميل، تتنوع من الليزر إلى زراعـة الـشعـر، والجراحات التجميلية، كما أن 48% من الذين خضعوا بالفعل لعمليات التجميل، تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عامًا.
يُشير الدكتور الغامدي إلى وجود دوافع إيجابية وسلبية وراء لجوء الرجال لعمليات التجميل؛ منها مثلًا تصحيح التشوهات؛ فقد يلجأ بعض الرجال إلى عمليات التجميل لتصحيح تشوهات خلقية أو مكتسبة في الوجه أو الجسم، مثل تشوهات الأنف أو الأذن، أو تعزيز الثقة بالنفس، قد تُساعد عمليات التجميل في تحسين صورة الرجل عن نفسه وتعزيز ثقته بنفسه؛ خاصةً إذا كان يعاني من عقدة نفسية متعلقة بمظهره، أيضًا قد يلجأ بعض الرجال إلى عمليات التجميل لإزالة آثار الحوادث أو الأمراض التي تُسبب لهم الإزعاج النفسي.
أما عن الدوافع السلبية؛ يقول الغامدي لمواطن: “إن بعض الرجال قد يلجؤون إلى عمليات التجميل كنوع من العلاج الذاتي للأزمات النفسية، مثل مشاكل الطفولة أو اضطرابات الشخصية، أو معالجة الاختلال الهرموني، ربما تسبب بعض الاضطرابات الهرمونية لدى الرجال شعورًا بعدم الرضا عن مظهرهم، مما يدفعهم إلى عمليات التجميل، كذلك قد يلجأ بعض الرجال إلى عمليات التجميل لتغيير مظهرهم والتشبه بنموذج محدد، وذلك بسبب اضطراب في هويتهم.
ويربط الغامدي ازدياد لجوء بعض الرجال إلى عمليات التجميل بشكلٍ مُبالغ فيه، بانخفاض تقدير الذات والسعي لتعويض ذلك النقص، مشيرًا إلى تغير معايير الرجولة مع مرور الوقت؛ فأصبح يُركز على المظهر الخارجي أكثر من القوة والنجاح، وانتشار الفلاتر والتطبيقات، التي تُتيح تطبيقات التواصل الاجتماعي والمعدلات الفلاتر للرجال إمكانية تغيير مظهرهم الخارجي بشكلٍ وهمي، مما قد يُسبب لهم شعورًا بالرضا المؤقت عن صورتهم الذاتية، كذلك قد يُقلد بعض الرجال مظهر المشاهير والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، سعيًا للحصول على نفس مستوى الإعجاب والقبول.
تجارب قاسية وأخرى للترفيه
بالحديث إلى عدد ممن خضعوا لعمليات تجميل داخل المملكة وخارجها، تواصلت معهم مواطن، تظهر دوافع مختلفة لزيادة إقبال الرجال على هذا النوع من الجراحات، بعضهم مر بتجارب قاسية، لعل أبرزها المعاناة مع التنمر بسبب السمنة، أو مواجهة الأمراض الناجمة عنها مثل آلام العظام وغيرها، على الجانب الآخر يجري البعض عمليات التجميل من أجل الحصول على مظهر أفضل، وربما تقليد لبعض الفنانين أو المشاهير.
يقول لمواطن، أحمد الفقيه (40 عامًا)، إنه لجأ للجراحة بسبب السمنة المفرطة؛ خاصة أنه كان يعاني من مرض (التثدي) وكان ذلك يعرضه للتنمر بشكل مستمر، والإحراج أيضًا، وقد تردد كثيرًا في إجراء الجراحة خوفًا من المضاعفات، لكنه اطمئن للنتائج بعد تجارب عدد من معارفه، وآخرون عرضهم عليه مركز التجميل لتشجيعه، واليوم يشعر بتحسن شديد مع نقصان وزنه من 150 إلى 95 كيلو، ويشعر أنه أكثر شبابًا، والأهم أنه لا يعاني من التنمر.
يعتبر أحمد أن الوصم الاجتماعي يتعلق بالشخص ذي المظهر السيء وليس الشخص الأنيق، عادة لا يتنمر المجتمع على شخص أجرى عملية تجميلية للنحافة أو زراعة الشعر أو إصلاح الوجه، لكن الشخص الذي يظهر بشكل لا يتوافق مع معايير المجتمع يعاني كثيرًا، لذلك لا يرى أن عمليات التجميل أو تصحيح الجسم تعد وصمًا اجتماعيًا للرجال.
يعتبر الدكتور خالد الغامدي أن عمليات التجميل لها جانب مظلم أيضًا، ويحذر من مخاطر الاستخدام المفرط لهذا النوع من الجراحات، ويُؤكد على أهمية استشارة الطبيب النفسي قبل الإقدام على أي عملية تجميلية؛ خاصةً إذا كانت الدوافع نفسية.
ومن جهته يقول عُمر (25 عامًا): “إن الجراحات التجميلية باتت ضرورة لكل الرجال”، وعن تجربته يقول: “أحب كثيرًا أن يصبح شكلي -وخصوصًا الوجه- مثل المشاهير، بمقاييس جمالية معينة، هذا لا يقلل من رجولتي، بالعكس؛ فإن الله يحب الجمال، وهذا أمر أصبح مألوفًا في المجتمعات العربية، ومثلًا لا نجد أشخاصًا يهاجمون فنانًا بسبب تغييرات في شكله رغم أن جميعهم بلا استثناء يجرون جراحات تجميلية بشكل مستمر، لكن إذا قال شخص ما إنه أجرى عملية تجميل يشبهونه بالنساء، وهذا أمر غريب جدًا، ويجب هدم الثوابت والعيش بحرية أكثر”.
وبلغ عدد العمليات التجميلية الجراحية نحو 134 ألف عملية تجميل خلال أعوام 2017، و2018، و2019 الماضية، بمعدل 122 عملية يوميًا؛ حيث استحوذت المراكز والمستشفيات الصحية للقطاع الخاص على 43% من إجمالي العمليات، وفق إحصائية لوزارة الصحة السعودية نشرت في مايو (2019).
وتعد عمليات تصحيح الأنف الأكثر إقبالاً بين الجنس الخشن بمعدل نحو 27%، ولعل أسطورة البوب الراحل “مايكل جاكسون”، المثال الأكثر شهرة في هذا المجال؛ فقد غيّر وجهه ولون بشرته بشكل ملفت، ولا أحد يعرف بالضبط عدد العمليات الجراحية التي خضع لها، وفق تقرير لـ”DW”.
ويركز السعوديون، على عمليات التجميل التي تتعلق بعضلات البطن وحقن البوتكس، وتغيير في منطقتي البطن والصدر، وفق دراسة أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”. وتعتبر مساعدة جراحات التجميل البريطانية كلير كلارك أن ظاهرة اهتمام الرجال بالمظهر هي ظاهرة عالمية، وترتبط بالرغبة في تحسين الظهور العام والشعور بالشباب والحيوية في كل الأوقات؛ خاصة للذين يعانون من علامات شيخوخة مبكرة، أو عيوب بالوجه والجسم.
وتقول كلارك، لمواطن: “إن هناك العديد من العمليات التجميلية تُجرى للرجال في الوقت الراهن؛ منها جراحة العيون ورفع الحاجب لإزالة علامات الشيخوخة، وإعادة تشكيل الأذن، للتكبير أو التصغير في بعض الحالات، وشد الوجه وتعديل الأنف، وكذلك التعامل مع مناطق الدهون (العنيدة) التي يصعب إزالتها عن طريق البرامج الغذائية لمدة طويلة”.
يعاني نحو 40 إلى 60% من الرجال حول العالم من التثدي، الأمر الذي يثير السخرية وعدم الثقة بالنفس، لذلك تسهم الجراحات التجميلية في إزالة الدهون من تلك المناطق الصعبة، وتعديل شكلها بحيث تصبح لائقة للرجال. بحسب كلارك.
ما أكثر الجراحات انتشارًا داخل المملكة؟
تُعد عملية شفط الدهون من أكثر عمليات التجميل شيوعًا بين الرجال في السعودية؛ حيث تُستخدم لإزالة الدهون الزائدة من مناطق مختلفة من الجسم، مثل البطن والخصر والظهر، تليها زراعة الشعر؛ حيث تُستخدم زراعة الشعر لعلاج تساقط الشعر أو الصلع، وذلك عن طريق نقل بصيلات شعر من منطقة أخرى من الجسم إلى فروة الرأس. وشهدت المملكة العربية السعودية، وفق الدكتور لؤي السالمي تطورًا هائلًا في مجال جراحة التجميل، مما جعلها وجهة مفضلة للعديد من الأشخاص من مختلف أنحاء العالم من الذين يرغبون في إجراء عمليات تجميل.
مواضيع ذات صلة
ويوضح السالمي أن عمليات التجميل للرجال متنوعة، أهمها عمليات نحت البطن ورسم وتحديد العضلات، كما يلجأ بعض الرجال الي جراحات شدّ الوجه، تجميل الأنف، وشد الجفون، وعمليات زراعة الشعر؛ فضلًا عن جراحات شفط الدهون التي تُستخدم لإزالة الدهون الزائدة من مناطق محددة في الجسم؛ مثل البطن، الفخذين، والذقن وجراحات التثدي، كما يستخدم حقن البوتوكس والفيلر لعلاج التجاعيد وخطوط الوجه، كاجراء غير جراحي، بالإضافة لاستخدام العديد من الأجهزة الحديثة.
مخاطر الهوس بعمليات التجميل
يعتبر الدكتور خالد الغامدي أن عمليات التجميل لها جانب مظلم أيضًا، ويحذر من مخاطر الاستخدام المفرط لهذا النوع من الجراحات، ويُؤكد على أهمية استشارة الطبيب النفسي قبل الإقدام على أي عملية تجميلية؛ خاصةً إذا كانت الدوافع نفسية.
يشير الغامدي إلى وجود ارتباط وثيق بين عمليات التجميل والرفاهية؛ ففي الغالب نجد انتشار هذه الظاهرة في الدول ذات المستوى المعيشي المرتفع، بينما نلاحظ قلة وجودها في المناطق التي تعاني من شظف العيش وصعوبة الحصول على المال والعمل.
تتفق معه المختصة البريطانية كلير كلارك التي تقول: “إن التوظيف المبالغ فيه لعمليات التجميل يخلق حالة من التشويه الثقافي في بعض المجتمعات؛ حيث يؤدي إلى تشويه مفهوم الجمال في المجتمع، وخلق معايير غير واقعية للجمال”. كما حذرت من أن السعي الدائم وراء الكمال من خلال عمليات التجميل يعزز مشاعر القلق، وانخفاض الثقة بالنفس، فيما يعرف بأنه اضطرابات نفسية تسمى (dysmorphic body image disorder).
كذلك حذرت مجموعة سيف فيس المعنية بالعلاجات التجميلية، من مخاطر اتجاه الرجال إلى جراحات التجميل، وقالت المجموعة التي تضم مخصتين في العلاجات التجميلية بدون جراحة، كحَقن الحشو، والبوتوكس: “الرجال يشعرون بالحاجة إلى إجراء عمليات تجميل للحصول على منظر حسن، تماما كما يفعل النساء”.
ختامًا، يمكن القول بأن عمليات التجميل تبدو ضرورة في بعض الحالات ورفاهية في البعض الآخر، لكنها متاحة داخل المملكة، وتشهد إقبالًا مستمرًا رغبة في تحسين المظهر، أو لإصلاح بعض العيوب، ومع ذلك فمن المهم اتخاذ قرار مدروس بعد استشارة طبيب مختص، والتأكد من فهم جميع المخاطر والمضاعفات المحتملة.