جماهير تدعم المقاومة، وإدارة النادي ترفع علم الاحتلال.. فما موقف برشلونة من القضية؟
أهلًا بك، هل تتذكر صورة ليونيل ميسي أمام حائط البراق في القدس المحتلة مرتديًا قبعة “الكيبا” اليهودية التقليدية؟ حسنًا، ماذا لو عرفت أن تلك الصورة أتبعتها صور أخرى لنفس الشخص من داخل الضفة الغربية بين أعلام فلسطين. ربما لا تعرف شيئًا عن تلك الصور لأن آلة البروباغندا الصهيونية آثرت إخفاءها، ولكنها تظل أحداثًا حقيقية، وهو ما ينفي سردية ميسي اليهودي التي تملأ جنبات السوشيال ميديا منذ عشر سنوات تقريبًا.
لكن زيارة ميسي وفريق برشلونة إلى الضفة الغربية ثم إلى إسرائيل؛ فلسطين المحتلة، قد يفتح الباب أمام أسئلة من نوع مختلف؛ خاصة بعد المشاحنات الإسبانية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، وذهاب إسبانيا إلى خيار دعم الفلسطينيين أمام محكمة العدل الدولية؛ فهل وقفت إسبانيا مع القضية الفلسطينية على طول الخط؟ نظريًا؛ نعم، ومنذ زمن بعيد، والدليل هو أن مدينة برشلونة قد علقت توأمتها مع مدينة “تل أبيب”، يافا المحتلة، عام 2021، بسبب الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
أما عمليًا؛ فالأمر معقد؛ حيث وجدنا طرفًا آخر تمامًا يؤكد أن تلك الحالة جديدة كليةً على المجتمع، والدليل هو صورة خوان لابورتا، رئيس نادي برشلونة، والسياسي الكتالوني الأكثر شهرة، حاملًا العلم الإسرائيلي في قلب مدينة برشلونة، رفقة أعضاء من الحكومة الاسرائيلية.
VERGÜENZA: El presidente del club del Barça, Joan Laporta, invitó a representantes de la embajada israelí al partido contra el Manchester United hoy para mostrar su apoyo a Israel tras la decisión de la alcaldesa de Barcelona, Ada Colau de romper las relaciones con el sionismo. pic.twitter.com/noFRTBXmLp
— Palestina Hoy (@HoyPalestina) February 17, 2023
أبيض.. أسود
قد تستشفُ من تلك الأفعال المتناقضة أن الأمر منقسم إلى جانبين؛ فهناك حكومة المدينة التي تقف في خندق واحد مع الفلسطينيين، وهناك خوان لابورتا، ممثل النادي، الذي يَهبّ وحيدًا لدعم الاحتلال وبلا أسباب واضحة، ولصعوبة الوصول إلى مصادر داخل النادي أو داخل الحكومة الإسبانية بشكل مباشر؛ فقد طرحنا على السيد “Chat Gpt” الأسئلة السابقة، وفي كل مرةٍ كان يتحفنا بإجابة مختلفة تمامًا:
- خوان لابورتا، الرئيس نادي برشلونة، كان داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية. وقاد برشلونة خلال فترة حكمه بحملة تضامن مع الشعب الفلسطيني، وقد أظهر دعمه لهم عبر مجموعة من الخطوات والمبادرات. على سبيل المثال، قدم الدعم للفلسطينيين في بعض المباريات الودية، كما وجه دعوة لمحمود عباس، الرئيس الفلسطيني السابق لحضور مباريات برشلونة. إلى جانب ذلك، قدم لابورتا دعمه لحل الدولتين كحلٍ نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
En tot cas crec que l'explicacio que va donar es un símptoma de saber estar enorme que ha tapat boques.El Barça no es exemple de res donant suport a que Bcn restablia agermanament amb Tel Aviv fent-se Laporta una foto amb la bandera d'Israel sense consultar els aocis
— JuanBatlle 🚌 (@JuanBatlle6) November 11, 2023
- لا يوجد دليل قاطع على مواقف خوان لابورتا تجاه إسرائيل. تاريخيًا، كانت هناك بعض التصريحات (المتناقضة) من قبل لابورتا بخصوص هذه القضية، ولكن لم يؤكد أي موقف رسمي أو دائم منه بشكل واضح. يتغير موقف الشخصيات العامة في بعض الأحيان، ويمكن أن يكون موضوع الدعم لإسرائيل أو الدفاع عن القضية الفلسطينية مثار جدل، ويكون تفسيره اعتمادًا على السياق والظروف الحالية.
- لقد نُشرت تقارير تزعم أن خوان لابورتا، رئيس نادي برشلونة، لديه تاريخ من التصريحات المثيرة للجدل بشأن إسرائيل. حيث تحدثت بعض التقارير عن تصريحات سابقة لـ لابورتا، دافع فيها عن إسرائيل بشكل مباشر.
- تأثير مواقف خوان لابورتا تجاه إسرائيل يمكن أن يكون ملموسًا على علاقة نادي برشلونة مع الدول العربية؛ خاصة أن نادي برشلونة يمتلك جماهير كبيرة في الدول العربية. وإذا كانت مواقفه تتنافى مع قيم ومبادئ الجماهير العربية؛ فقد يؤثر ذلك سلبًا على صورة النادي وعلاقته مع تلك الجماهير.
المهم أن هذا الـ “Chat Gpt”، ولأنه “ذكاء اصطناعي صُنع بالغباء البشري الطبيعي” على حد تعبير الكاتب السوري محمد دريوس؛ فلم يخبرنا أن نفس المدينة التي أعلنت عن قطيعتها لتل أبيب، ستعلن فيما بعد عن عودة علاقات التوأمة بعد 7 أشهر فقط؛ في نفس الوقت الذي سيرفض فيه لابورتا الذهاب إلى مدينة القدس للعب مباراة ودية عام 2021 بعد أحداث حي الشيخ جراح. وهنا تزداد الأمور تعقدًا، من يدعم إسرائيل؟ ومن يدعم الفلسطينيين؟
محاولة للتبسيط
في فبراير من عام 2023، أعلنت عمدة مدينة برشلونة السابقة، آدا كولاو، ودون سابق إنذار، عن تجميدها كافة العلاقات المؤسسية والثقافية والاقتصادية مع نظام الفصل العنصري -الأبارتهايد- الإسرائيلي، بعد مطالبات شعبية انتهت بتوقيع عريضة تطالب بوقف التعامل مع اسرائيل للأبد؛ حيث جاء في نص بيانها أن قوات الاحتلال: “ترتكبُ أعمال عنف متواصلة بحق الفلسطينيين العُزل، وتقتل مئات الأطفال والنساء والشيوخ كل ليلة”.
بعدها أعلنت جماعة “أكوم” الصهيونية، والمدعومة من سلطات الاحتلال، عن رفع دعوى جنائية أمام المحكمة الإسبانية العليا، تتهم فيها عُمدة برشلونة بـ”معاداة السامية” والتحريض على العنف. من هي جماعة “أكوم”؟ هي جماعة ضغط يهودية -لوبي- تأسس عام 2004 على يد رجل الأعمال اليهودي الإسبانى ديفيد هاتشويل، رئيس الجالية اليهودية السابق في مدريد، كجزء من تحالف ضخم يضم عددًا من المؤسسات المتعاونة والداعمة لإسرائيل، مثل “معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط”، ومؤسسة “الحلفاء الإسرائيليين”.
بالمناسبة؛ فتلك الجماعات كانت سببًا في إلغاء 86 اتفاقية تضامن مع فلسطين، وذلك عبر تصعيد سلسلة ضخمة من أعمال العنف والإرهاب، وهذا ما يؤكده مارك سيرا، عضو حزب “Barcelona en Comú”؛ حيث قال في تصريحات إلى العربي الجديد عن كونهم: “مجموعات ضغط تهين النظام القضائي، وتحاول التلاعب بالقوانين عن طريق استخدام مسارات قانونية ملتوية للنيل من الخصوم”، وقد ساهمت في تقنين أوضاع جماعة ضغط أخرى تسمى “أصدقاء إسرائيل”، وتخضع لرئاسة عضو سابق في حزب “الشعب” اليميني المتطرف الإسباني، يُدعى رافائيل لويس.
أما رافائيل لويس، فله قصة مختلفة بعض الشيء؛ حيث كان عضوًا سابقًا في اللجنة التنفيذية لحزب “الشعب” اليميني، رفقة كارلوس بستيلو وزير الصناعة والطاقة السابق، ثم غاب فترة طويلة عن الساحة، ليعود بعدها على أكتاف حزب “Vox” اليميني الأكثر تطرفًا، معلنًا أنه صهيوني عتيد أكثر من هرتزل نفسه، ولذلك سيدعم حملة نتنياهو بالمال، رفقة من؟ رفقة ديفيد هاتشويل قائد مؤسسة “أكوم”.
يرى مارك سيرا، عضو حزب Barcelona en Comú: "هناك نمط يتبعونه في تقديم الشكاوى من المحاكم، إلى النيابة العامة، حتى يجدوا قاضيًا يتفق معهم في النهاية، أو على الأقل يفتح لهم طريقًا للتحقيق"
تلك الضغوطات آتت أكُلها سريعًا؛ حيث عُزلت كولاو من منصبها، ليأتي جاومي كولبوني بدلًا منها، ويعيد العلاقات مع إسرائيل لسابق عهدها فور وصوله لمنصب العمدة، سبتمبر 2023، -أي قبل طوفان الأقصى بشهر واحد-، وكأن شيئًا لم يكن، لماذا؟ لأن إعلان عودة العلاقات مع مدينة أو دولة ما، يحمل داخله اعترافًا مبطنًا بشرعية وجود هذه المدينة، أما قطع العلاقات معها؛ فله معنى آخر لا تحبذه قوات الاحتلال، لأن وجودها يعتمد أساسًا على هذا الاعتراف المُبطن.
ولكن بعد بدء إسرائيل لعمليات الإبادة الجماعية واسعة المدى، تبعثرت الأوراق مرةً أخرى؛ حيث تظاهر حوالى 700 شخص في مدينة برشلونة، 15 أكتوبر 2023، وأشارت المصادر إلى أن المتظاهرين كانوا يحملون لافتات مكتوب عليها “تكريم الشهداء”، وأخرى تحمل رسالة “عاشت المقاومة الفلسطينية”، بالإضافة إلى لافتات أخرى كتب عليها “إنها ليست حربًا وإنما إبادة جماعية”، وهو ما حدا بالعمدة ومجلس المدينة لإلغاء العلاقات مرةً أخرى بشكل مستدام.
حيث أعلن مجلس البلدية أن الهجمات على المدنيين والعقاب الجماعي والتهجير القسري والتدمير المنهجي للمنازل والبنى التحتية بغزة، أمر مرفوض بشكل قاطع. وبعدها تدحرجت الأمور إلى الحد الذي اعترفت فيه إسبانيا بالدولة الفلسطينية. إذن فالجماهير الإسبانية معنا، الكتالونية تحديدًا، يقفون معنا في خندق واحد، أما الإدارات فتتأرجح بين هذا وذاك، ولكنها في غالب الظن تميل لكفة الجماهير. حسنًا؛ ما دخل لابورتا بكل ذلك؟ لابورتا استفاد من كل ذلك، ولذلك اندهش من أفعاله أخونا “Chat Gpt”.
اللون الرمادي
في ظل تلك الأجواء، ظلَّ نادي برشلونة، كمعبر عن هوية المدينة، مرتبطًا بالأحداث السابقة وما تلاها من تداعيات ألقت بظلالها عليه، باعتباره كيانًا اعتباريًا يستنبط آراءه المتذبذبة من آراء رؤسائه؛ خاصة وإن كانوا من طينة خوان لابورتا، الراعي الرسمي للسلام في الكرة الإسبانية، والمؤيد القوي لحل الدولتين، والمتذبذب بين الدعم والشجب؛ فلا تدري غداة غدٍ؛ هل هو معنا أم علينا!
لقد ظلت مواقف الرجل متذبذبة بشدة بين دعم الفلسطينيين ومناوئة الصهاينة لنفس الأسباب السابقة، من وجود جماعات الضغط الصهيونية من جانب، والضغوط الجماهيرية من جانب آخر، وأبرز مثال على ذلك؛ هو التمرد الذي قاده على قرار قطع العلاقات الأول، مستغلًا اسم وشعبية برشلونة، من أجل الدخول في مقامرة سياسية يخرج منها بطلًا وراعيًا للسلام أمام العالم، وتبيض وجهه أمام جماعات الضغط الصهيونية؛ خاصةً بعد رفضه اللعب في مدينة القدس المحتلة عام 2021 بعد ضغوط هائلة من الجماهير الكتالونية وجماعات المقاطعة.
يقول موشي هوجيج، مالك نادي بيتار القدس: "لست غاضبًا من نادي برشلونة، إنه ليس طرفًا في الصراع الموجود في الشرق الأوسط".
وهذا هو ما فهمناه، أن الرجل يستجيب للضغوط، ويلعب بالورقة الرابحة كأي سياسي محنك وكاذب، ولذلك لا يُمكن النظر إلى محاولته منع الجماهير من رفع العلم الفلسطيني في المدرجات بعد السابع من أكتوبر، أو استقباله لموظفين السفارة الإسرائيلية عام 2023، أو زيارة النادي للضفة الغربية صيف عام 2013، ثم لعب مباراة ودية ضد فريق “النجمة الفلسطيني”، أو نيته استضافة اللاعب الفلسطيني “محمود السرسك”، والجندي الصهيوني “غلعاد شاليط” في نفس المباراة كجزء من مبادرة للسلام، إلا باعتبارها مقامرة سياسية دون أساس واضح؛ فمن يزور تل أبيب ورام الله معًا، لا يمكن النظر إلى أفعاله إلا من خلال المثل العربي القديم: “من يبحث عن السلام عليه أنْ يكون أصم وأعمى وأخرس”، أو في أفضل التعابير: “سياسيًا”.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.