بعد ثلاث سنوات من التوقف عن تعاطي المخدرات، عاد عبد الله (28 عامًا) إلى الإدمان، مدفوعًا بتجربة نمط جديد انتشر مؤخرًا داخل البلاد، يتمثل في تعاطي مخدر الحشيش، عبر السجائر الإلكترونية، ذات الرواج الكبير داخل المملكة العربية السعودية ودول الخليج عمومًا.
يقول لمواطن، إنه خاض رحلة صعبة للتوقف عن تعاطي المخدرات قبل سنوات أثناء دراسته الجامعية، وتلقى برنامجًا علاجيًا لمدة عامين بإحدى المصحات بالرياض، عاد بعده متعافيًا تمامًا من الإدمان، قبل أن يدعوه أحد أصدقائه لتدخين (الفيب)، أو ما يعرف باسم السجائر الإلكترونية، المطعمة بمخدر (الحشيش)، وبعد عدة مرات وجد نفسه غارقًا مرة أخرى في التعاطي دون أن يدرك.
يصف الشاب السعودي ما حدث له بـ”الانتكاسة”، ويقول إن المتعافين من المخدرات عادة ما يكونون أكثر عرضة للعودة مرة أخرى؛ خاصة مع تواجدهم في بيئة تساعدهم على ذلك، أو عدم التزامهم بالبرنامج العلاجي المخصص لمرحلة ما بعد التعاطي، أو العودة للمجتمعات التي تدفع الشخص للعودة مرة أخرى؛ خاصة التواجد بأماكن التعاطي أو أصدقاء السوء.
لا يعرف عبد الله متى سيتوقف مجددًا، لكنه ينصح الجميع بعدم خوض التجربة، يقول إنه ربما يضطر للسفر خارج البلاد للعلاج هذه المرة، هربًا من ملاحقات العائلة وحالة اللوم المستمرة التي عانى منها كثيرًا من قبل، محذرًا من مغبة انتشار أنواع جديدة للمخدرات داخل الدول العربية وعلى وجه الخصوص دول الخليج.
الفيب.. كيف أصبحت وسيلة آمنة لنشر المخدرات؟
شهدت السجائر الإلكترونية والشيشة الإلكترونية (الفيب) إقبالًا متزايدًا بين الشباب السعودي خلال السنوات الأخيرة؛ حيث أصبحت ظاهرة اجتماعية ملحوظة. وقد ساهمت في ذلك تصميماتها العصرية الجذابة بأحجامها الصغيرة وألوانها الزاهية، بالإضافة إلى تنوع نكهاتها التي تلبي أذواق الشباب. وقد استغل بعض المصنعين هذه الشعبية للترويج للفيب على أنه بديل آمن للتدخين التقليدي، مما أدى إلى نمو هائل في سوق هذه المنتجات.
في عام 2023، أعلنت المديرية العامة لمكافحة المخدرات، اليوم، أنها أحبطت محاولة تهريب 5.280.000 مليون قرص من مادة الأمفيتامين المخدّر، التي تستخدم في تحضير الشبو- وألقت القبض على مستقبليها.
لكن الأخطر في الأمر هو أنها أصبحت بوابة سهلة ومدروسة للغاية لنشر المخدرات والإدمان في أوساط الشباب، ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “الوطن” السعودية؛ فإن هناك شكوكًا حول مدى أمان تلك السجائر، وما إذا كانت تمثل منزلقًا خطيرًا إلى عالم المخدرات.
وتشير تقارير عدة إلى أن السجائر الإلكترونية أصبحت تزوّد بمخدرات مهندسة مخبريًا، بحيث تحوي جرعات من سوائل مخدرة، أو مادة زيت الحشيش. وتلفت إلى أن السجائر الإلكترونية تحتوي أيضًا على مخدر “نايس غاي”، والمصنف بالخطير بسبب تأثيره على المخ، وتسببه بأضرار نفسية وجسدية صعبة. وفي أغسطس من العام 2023، دعت منظمة الصحة العالمية إلى فرض قيود أكثر صرامة على السجائر الإلكترونية، وتنظيم بيعها واستخدامها، وحثت الحكومات على الحد من إعلان هذا النوع من السجائر وحظر بيعها للقاصرين.
وارتفعت نسبة المدخنين يوميًا للسجائر الإلكترونية في المملكة، خلال الربع الرابع من العام 2022، إلى نحو 7.7%؛ فيما انخفض استخدام السجائر التقليدية إلى 9.7%، والشيشة العادية إلى 5.3%. وحذرت وزارة الصحة السعودية من السجائر الإلكترونية التي تحتوي على سوائل لإعادة التعبئة من جديد، تحتوي على عقاقير خطرة، ومنها “نايس غاي”، والمخدّر النفسي THC، وهذه المواد الخطرة والمحظورة قد تسبب آثارًا نفسية وجسدية، بما في ذلك الاضطرابات النفسية الذهانية.
يقول استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، الدكتور أحمد موافي: “إن السجائر الإلكترونية يمكن أن تكون مروجًا سهلًا لتعاطي المخدرات؛ خاصة بين فئات الشباب، نظرًا لانتشارها الواسع، وسهولة استخدامها، والاعتياد عليها بشكل سريع، ويمكن أن تصبح أحد أحدث الأشكال المستخدمة في الترويج لبعض أنواع من المخدرات؛ أبرزها مخدر الحشيش أو زيت الحشيش”.
ويوضح “موافي” لمواطن، أن الخطير في هذا النوع من المخدرات هو إمكانية تعديل هذه الأجهزة بسهولة لإضافة مواد أخرى، مثل الحشيش أو غيرها من المواد المخدرة، مما يجعل من الصعب اكتشافها، هذا التعديل البسيط يحول الفيب من مجرد جهاز للاستنشاق إلى أداة لنشر السموم وتدمير الأرواح، وبالنظر إلى التسويق المكثف للفيب على أنها منتجات آمنة وغير ضارة؛ فإن العديد من الشباب يقعون في شرك هذه الدعاية، ويبدؤون بتجربتها دون إدراك للمخاطر الكامنة فيها”.
يشير “موافي” أيضًا إلى أن الإدمان على النيكوتين الموجود في (الفيب) يهيئ الجسم لاستقبال مواد أخرى أكثر إدمانًا، مما يزيد من احتمالية انتقال المدمنين إلى تجربة المخدرات، بالإضافة إلى ذلك؛ فإن التجمعات التي تتشكل حول المدخنين الإلكترونيين غالبًا ما تكون بيئة خصبة لنشر المخدرات وتبادل الخبرات الضارة.
قاتل خفي
يصف سعد (34 عامًا)، متعافٍ من المخدرات، السجائر الإلكترونية بأنها “قاتل خفي”، يقول: “في البداية بدأت تدخينها كبديل عن السجائر العادية، كان ذلك قبل 4 سنوات، وكنت قد قرأت كثيرًا عن أضرارها المنخفضة مقارنة بتدخين السجائر، وبعد عامين، وجدت نوعًا منها يُباع عبر صفحات التواصل الاجتماعي، سعره أغلى، ويتم الترويج له على أنه يساعد في تهدئة الأعصاب”.
ويضيف: “بعد فترة من الاعتياد على هذا النوع، وهو مهدىء بالفعل، ذهبت لإجراء فحص دوري لدى الطبيب بسبب الشعور بالإجهاد المستمر، لأكتشف نسبة عالية من المخدرات في جسمي، وبتحليل العينات اكتشفت أنه نوع من أنواع المهدئات الخطيرة على الجسم، ويتم بيعه باعتباره زيتًا يستخدم في تشغيل السجائر الإلكترونية.
ويتابع، بدأت على الفور رحلة علاج استمرت 4 أشهر، وتم التعافي بالكامل، ونصيحتي للجميع عدم تجربة أي شيء جديد دون أن يكون مُصرحًا به من جانب الجهات الصحية الرسمية، وعدم الانسياق خلف الإعلانات التجارية على مواقع التواصل الاجتماعي.
بحسب الدكتور أحمد موافي، تشكل المخدرات التي يتم تمريرها عبر زيوت السجائر الإلكترونية تأثيرًا متطابقًا مع أخطر أنواع المخدرات؛ فهي تعد تهديدًا خطيرًا على مستقبل الشباب، وتسلبهم طاقاتهم وإبداعهم، كما يؤدي تعاطي المخدرات إلى تدهور الصحة الجسدية والنفسية، وتدمير العلاقات الاجتماعية، والإضرار بالأداء الأكاديمي والمهني.
بالإضافة إلى ذلك؛ فإن الإدمان على المخدرات يدفع الشباب إلى ارتكاب جرائم للحصول على المال اللازم لشراء هذه المواد المدمرة، مما يعرضهم للسجن والعقوبات القانونية. إن الوقاية من المخدرات تبدأ بالوعي بخطورتها وتأثيراتها السلبية، وتوفير بيئة صحية وداعمة للشباب.
وللتصدي لهذه المشكلة، يشدد “موافي” على ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات العاجلة والحاسمة؛ بدءًا من تشديد الرقابة على تصنيع وتوزيع السجائر الإلكترونية والسوائل المستخدمة فيها، والتأكد من خلوها من أي مواد مخدرة. كما يجب تكثيف حملات التوعية بأخطار السجائر الإلكترونية والمخدرات، واستهداف الشباب بشكل خاص في المدارس والجامعات. بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير برامج علاج وتأهيل للمدمنين لمساعدتهم على التعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية.
السعودية في مرمى نيران المخدرات
تأتي السعودية في مقدمة الواجهات العالمية المستهدفة بالمخدرات؛ فيما تشير تقارير إلى أن المملكة تعد ثالث أكبر مستهلك للمخدرات في العالم. ونمت هذه المشكلة فقط خلال العقد الماضي، وبين عامي 2015 و2019، شكلت السعودية أكثر من 45% من المضبوطات العالمية من عقار الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاجون، بحسب تقرير لموقع “الخليج الجديد”.
ويتزايد تعاطي المخدرات خاصة بين الشباب والشابات في المناطق الحضرية، والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، وينتمي أكثر من 60% من مدمني المخدرات إلى هذه الفئة العمرية، وتشير التقديرات إلى أن نحو نصف السعوديين الذين يتعاطون المخدرات عاطلون عن العمل.
يفرض القانون عقوبة على المروج بالسجن لمدة 15 عامًا؛ حيث تنص المادة 37 على عقوبة القتل التعزيزي في حالة القيام بتهريب المواد المخدرة أو ترويجها، وفي حال جلب المواد المخدرة مرة أخرى يتم مضاعفة العقوبة. وفي حالة كان المهرب يحضر المواد المخدرة من خارج المملكة.
وتبذل السلطات السعودية جهودًا واسعة لمواجهة الانتشار المكثف للمخدرات، وقد أكد نائب وزير الداخلية السعودي، الدكتور ناصر الداوود، أن الحملات الأمنية الشاملة التي نفذتها السعودية ضد المخدرات، عبر خطط أمنية تضافرت فيها جهود جميع الجهات ذات العلاقة، تكللت بنجاحات قائمة ومستمرة في مواجهة خطر المواد المخدرة والجرائم المرتبطة بها.
وشدد أثناء رئاسته لوفد السعودية المشارك في مؤتمر بغداد الدولي الثاني لمكافحة المخدرات 2024، المنعقد في مدينة بغداد بجمهورية العراق، لتكثيف التعاون بين الدول المشاركة للحد من انتشار المخدرات، ومناقشة آليات التعاون للقضاء على تهريبها في المنطقة، بأهمية تعزيز إجراءات التعاون على المستويين المحلي والدولي للتصدي لنشاطات الجريمة المنظمة، بشكل عام، وجريمة إنتاج وتهريب المخدرات عبر الحدود – على وجه الخصوص، واتخاذ التدابير والحلول الأمنية العاجلة في ذلك. وفي عام 2023، أعلنت المديرية العامة لمكافحة المخدرات، اليوم، أنها أحبطت محاولة تهريب 5.280.000 مليون قرص من مادة الأمفيتامين المخدّر، التي تستخدم في تحضير الشبو- وألقت القبض على مستقبليها.
مواضيع ذات صلة
يصف الخبير الأمني والاستراتيجي د. فواز بن كاسب العنزي، مشكلة انتشار المخدرات في العالم عمومًا والمجتمعات العربية على وجه الخصوص بأنها قضية غاية في الأهمية، وتتعلق بشكل مباشر بالأمن القومي للدول؛ خاصة أنها تستهدف فئة الشباب.
ويقول لمواطن، إن السعودية تأتي في طليعة الدول التي تبذل جهودًا متواصلة ومكثفة على مدار السنوات الماضية للحد من انتشار المخدرات داخل البلاد، ومحاربة المروجين والمهربين وكشف الوسائل الحديثة لنشر أنواع مختلفة من المخدرات داخل المجتمع السعودي.
ويضيف: “شهدنا في السنوات الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في هذه الظاهرة على مستوى العالم، وخاصة في منطقتنا العربية؛ فالتغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها العديد من الدول العربية، خلقت فراغات أمنية استغلها المهربون والتجار لترويج سمومهم، ولا يخفى على أحد أن المملكة العربية السعودية تقع في قلب هذه المعركة، وتتعرض لحملات مكثفة من قبل العصابات الإجرامية التي تسعى لتسميم شبابنا وتقويض أمننا واستقرارنا.
ويؤكد “العنزي” أن بلاده لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الخطر. فقد اتخذت العديد من الإجراءات الحاسمة لمكافحة هذه الآفة، بدءًا من تشديد الرقابة على الحدود، ومنع دخول المخدرات إلى أراضيها، وصولًا إلى تفعيل برامج التوعية والتثقيف في المدارس والجامعات والمجتمعات. وينوه أيضًا إلى أن المملكة تتعاون بشكل وثيق مع المجتمع الدولي لمكافحة هذه الجريمة العابرة للحدود، وتشارك في العديد من المبادرات الإقليمية والدولية في هذا المجال.
ويشدد العنزي على أن المملكة العربية السعودية تدرك أن مكافحة المخدرات مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع؛ فالأمن والاستقرار هما ركيزة أساسية لبناء مجتمع قوي ومتماسك، ولا يمكن تحقيقهما إلا من خلال تضافر الجهود وتعاون جميع أفراد المجتمع.
ويعاقب القانون السعودي على حيازة المخدرات بقصد التعاطي بالسجن لمدة من 6 أشهر إلى سنتين؛ حيث تعتبر هذه عقوبة حيازة المخدرات بقصد التعاطي لأول مرة، أما في حالة تعاطي الشخص المخدرات للمرة الثانية فيعاقب بسجنه ثلاثة أشهر مع وضعه في مصحة لعلاجه من الإدمان.
كما يفرض القانون عقوبة على المروج بالسجن لمدة 15 عامًا؛ حيث تنص المادة 37 على عقوبة القتل التعزيزي في حالة القيام بتهريب المواد المخدرة أو ترويجها، وفي حال جلب المواد المخدرة مرة أخرى يتم مضاعفة العقوبة. وفي حالة كان المهرب يحضر المواد المخدرة من خارج المملكة أو يقوم بتوزيع المخدرات على المروجين في المملكة، يتم فرض عقوبة القتل التعزيزية عليه وفقًا للنظام السعودي.
من جهته يقول الإعلامي خالد المجرشي لمواطن إن المملكة العربية السعودية تسعى جاهدة إلى الحد من انتشار المخدرات من خلال تطبيق قوانين صارمة تعاقب على زراعة وتصنيع وتهريب وترويج وتعاطي المخدرات. وتقوم الأجهزة الأمنية المتخصصة بجهود حثيثة لضبط المهربين والتجار، وتقديمهم للعدالة. كما تساهم في التعاون الدولي في مجال مكافحة المخدرات لتعزيز الجهود الوطنية، من خلال تبادل المعلومات والخبرات مع الدول الأخرى.
إلى جانب الجهود القانونية؛ تولي المملكة اهتمامًا كبيرًا بالجانب الاجتماعي في مكافحة المخدرات، وبحسب “المجرشي” تقوم السلطات بتنفيذ حملات توعية واسعة النطاق تستهدف جميع شرائح المجتمع؛ خاصة الشباب، بهدف توعيتهم بمخاطر المخدرات وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع. كما تساهم المساجد والمدارس في نشر الوعي بأضرار المخدرات، وتقديم النصائح والإرشادات اللازمة للشباب.
ويضيف: “كما عززت المملكة خلال السنوات الماضية برامج العلاج والتأهيل، ولا تقتصر جهود المملكة على مكافحة الإمداد؛ بل تتعداها إلى تقديم برامج علاج وتأهيل للمدمنين، بهدف مساعدتهم على التخلص من الإدمان والعودة إلى الحياة الطبيعية، وتوفر هذه البرامج الرعاية الطبية والنفسية للمدمنين، وتساعدهم على إعادة بناء حياتهم”.
ختامًا، تواجه السعودية حربًا شرسة بمواجهة المخدرات ومروجيها، وتعد ظاهرة استخدام السجائر الإلكترونية لنشر المخدرات من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة؛ خاصة بين فئة الشباب، ورغم أن هذه الظاهرة قد تبدو حديثة، إلا أن آثارها المدمرة تمتد لتشمل صحة الفرد والمجتمع بأكمله؛ ما يضع تحديات أكثر خطورة أمام السلطات لتنفيذ مواجهة أكثر شمولًا مع هذا النوع من المخدرات المنتشرة حديثًا.