“وكأن القدر أقسم أن أعيش بشكل مريع، حاولت أن أغلق أذني لسنوات عن سماع حكايات وتأوهات، لا أريد ولم أحلم يوم أن أسمعها من والدتي، لما تتعرض له من خيانة زوجية، وعلاقات يقيمها والدي مع سيدات أخريات؛ سواء أكانت في إطار شرعي أو غير شرعي، لا يهم، الأهم أن تكون هناك أكثر من امرأة تشعره بأنه الرجل الذي لا مثيل له”. كانت هذه هي الكلمات التي روت بها مها هاني، صاحبة الـ 30 عامًا حكايتها مع تأثير أجواء عاشتها ما بين خديعة وخيانة أسرية، دفعت هي ثمنها من مشاعرها وأمانها وأحاسيسها.
قالت ذات الـ 30 عامًا لمواطن: “بعيدًا عن معاناتي النفسية التي كنت أعلمها جيدًا، مما كنت أراه من تأثير تعدد علاقات والدي لوالدتي، لم يخطر ببالي وأنا طفلة أن هذا التأثير سيتحول إلى تأثير جنسي مع تقدمي بالعمر، ولكني كنت أشعر في مراحل مبكرة بعدم رغبة في الاقتراب من الرجال، أو الدخول في علاقات عاطفية مع أي منهما، ويصور عقلي دائمًا أن جميعهم خائنون، ولم ينتبني أي شعور غريزي جنسي كما كنت أسمع دائمًا من الفتيات، جعلني هذا أبحث وراء الأمر؛ لماذا لم أشبه الفتيات في سني، ومع الأيام توصلت أن ما عانيته في منزلي هو السبب؛ فقد فقدت رغبتي الجنسية تجاه الرجال تمامًا، أخشاهم وأخشى الاقتراب منهم، وأحيانا كثيرة حتى السلام عليهم، وهذا ما أكدته الطبيبة النفسية التي لجأت إليها”.
وأشارت إلى أنها حاولت تلقي العلاج الذي يجعلها امرأة طبيعية قد تعيش وتقيم علاقات جنسية، أو على الأقل تشعر جسديًا أن لها احتياجات أنثوية غريزية، ولكن الأمر يحتاج منها إلى وقت ومجهود؛ خاصة بعد أن رأت الجميع في صورة والدها الظالم متعدد العلاقات، الذي اعتدى على حقوق والدتها، وأي رجل آخر سيقوم بنفس الفعلة، ولكنها أكدت أنها لن تقدر على مسامحته، على أقل تقدير لفقدها لمشاعرها الطبيعية التي خلقها بها الله.
"رحل والدي وترك لي أثرًا نفسيًا وجنسيًا؛ فلم يطعنّي في براءتي فقط؛ بل طعنني في رجولتي وقدراتي كذكر، والتي استمتع بها هو طوال حياته دون أن يوقفه أحد".
مها واحدة من الفتيات اللاتي تأثرن جنسيًا بوجود خيانة في طفولتها، لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة التي صاحبها ألم نفسي مُتبعًا بألم جنسي، يقمن باكتشافه بعد سنوات من التقدم من العمر، حين يشعرن بالاختلاف عمن حولهن، مرة بالرفض وأخرى بالرغبة في التعرف على المتعة التي كانت سببًا في دمار نفسياتهن وحياتهن، ولم يتوقف الأمر على حياة الفتيات فقط؛ بل إنه يؤثر أيضًا على الذكور الذين يتأذون جنسيًا نتيجة نشأتهم وسط أجواء من الخيانة؛ سواء أكانت من الأب للأم أو العكس.
وأكدت دراسة أجرتها National library of Medicine، أن تأثير خيانة الآباء يأتي تأثيرها على صحة الأبناء النفسية بشكل كبير، ويستمر لسنوات طويلة، وقد لا ينتهي مدى الحياة، والتي تؤدي إلى أمراض نفسية؛ منها التروما من العلاقات، والاكتئاب المستمر؛ خاصة إذا كان مفعمًا بإيذاء جسدي، أو عنف رآه الأبناء أمام أعينهم من الآباء.
الهروب إلى الشهوة من مواجهة الواقع
“هربت إلى إقامة علاقات جنسية كثيرة مع أشخاص متعددين، كان لدي رغبة كبيرة في أن أعرف ما السر الذي يجعل الرجال يسعون وراء النساء دون تفكير، كنت أتلذذ حين يريد رجل متزوج أن يقيم علاقة جنسية معي، وإن كانت جميع تلك العلاقات عن طريق الأون لاين والإنترنت؛ فلم أجرؤ على إقامة أي منها على أرض الواقع؛ فأنا لست الجرئية، ولكني الراغبة في معرفة السر”. هذا ما قالته سالي -اسم مستعار- لامرأة في الـ35 من عمرها، والتي امتنعت عن قرار الزواج برغبتها حتى لا تقع ضحية للخيانة، وينشأ أطفال يعيشون معاناتها مع أسرتها.
أضافت سالي لمواطن: “إن متعتها لا تأتي حين تثار جنسيًا من الرجال، ولكنها تأتي حين يتلهف عليها رجل متزوج ولديه أبناء، وتستمع منه إلى رغبته في خيانة زوجته ومعاناته معها، ويطل في رأسها فورًا صورة والدها وما كان قد قاله عن والدتها أثناء قيامه بذات الفعل؛ فتزداد غضبًا بشكل أكبر تجاه الرجال وتحتقرهم”.
واستكملت: “لم أفكر في الذهاب إلى الطبيب النفسي يومًا ما، لماذا أذهب؟ كي أُعالج من شيء لست أنا السبب به، وصاحبه عاش حياته سعيدًا بكل الطرق، وحين توفي ترك لي جرحًا نفسيًا أكبر بكثير مما يتخيل؛ بل إنه مع وفاته لم أنسه؛ فأصبحت صورة منه ولكن على هيئة أنثى أصبحت معها احتقر حتى نفسي”.
وعن هذا قالت د. دعاء القويسني، أخصائي الطب النفسي الجنسي: “إن الخيانة الزوجية؛ سواء أكانت من الأب أو الأم، يكون لها تأثيرات مختلفة على الأبناء؛ منها ما يكون تنفيذه بشكل سلبي، ومنها ما يكون إيجابيًا، ولكن في حالة أن يقوم الابن “ذكرًا أو أنثى” في اتباع أفعال الشخص الخائن، هو فعل انتقامي يقوم من خلاله بتنفيذ العقاب على الشخص المُخطئ، وغير القادرين على توجيه العقاب له بشكل مباشر، وبالتالي يتم تنفيذه في أنفسهم بشكل لا إرادي.
وأضافت، والبعض الآخر يتصرف بهذه الطريقة تنفيذًا لرغبته في معرفة السبب الذي استعداه لأن يعيش حياته تعيسًا، وفي طفولة معذبة، وتأتي كلها في إطار الأمراض النفسية التي يقع بها الأطفال بسبب أسرهم في الطفولة، وقد يؤدي الأمر إلى انحرافات جنسية أيضًا وتعذيب جنسي، والتلذذ به في إطار تحميل هؤلاء الأبناء أنفسهم الذنب تجاه ما كان يحدث من أسرهم.
وهو ما أكدته، أحدث الدراسات التي نشرتها مجلة الإندبندنت، أكدت أن الآباء حينما يكونون متعددي العلاقات، غالبًا ما يكون أبناؤهم مثلهم حين يصبحون بالغين، والأمر يتأثر بشكل مباشر بما رأى الأطفال من آبائهم، حتى وإن كانت هذه العادات سيئة، وبالتالي حين يرى الأبناء أن آباءهم متعددو العلاقات؛ فسيقومون هم بتجربة ما كانوا يعيشون به يومًا ما. كما نوهت أن في حالة وجود مشاكل بين الأبوين بسبب تعدد العلاقات، وما يؤدي بهم إلى الانفصال، يعيد أبناؤهم ذات التجربة بالانفصال، ولا يستطيعون مواصلة حياتهم الزوجية بشكل سوي.
ليت أبي يكون سعيدًا بضعف قدراتي
يروي عاصم، وهو رجل متزوج (40 عامًا)، أنه رأى والده مع سيدة غير والدته في غرفة النوم في طفولته، ورأى ما حدث داخل الغرفة، مؤكدًا أنه لم يفهم جيدًا، لكنه يتذكر جيدًا حتى الآن ما قاله والده:”أوعى تقول لحد أن طنط كانت هنا ولا حتى ماما”. واستطرد: “مع تقدمي بالعمر، علمت ماذا كانت تفعل طنط في غرفة أمي، كنت أحب أمي جدًا، وأثر في هذا الأمر بشكل كبير”.
وأكد أنه تعرض لكبوات جنسية بعد زواجه منذ اللحظة الأولى؛ حيث تعرض لما يشبه التروما مع استدعاء مشاهد والده في ذاكرته مع سيدة أخرى سوى والدته، مما جعله غير قادر جنسيًا على معاشرة زوجته، ومع عدد من المحاولات اضطر للذهاب للطبيب ليؤكد له أن الأمر نفسي ويحتاج إلى علاج نفسي. وأنهى حديثه قائلاً: “رحل والدي وترك لي أثرًا نفسيًا وجنسيًا؛ فلم يطعنّي في براءتي فقط؛ بل طعنني في رجولتي وقدراتي كذكر، والتي استمتع بها هو طوال حياته دون أن يوقفه أحد”.
الجميع خائن وأنا منهم
رأيت والدي يخون والدتي مرات ومرات، وهي تقرر أن تصمت وتعيش إرضاءً لي أنا وأشقائي، اعتدت على أن الأمر طبيعي وهذه هي الحياة؛ فلا رجل يعيش دون أكثر من أنثى لتلبية احتياجاته، أسمعني أبي هذا كثيرًا، ورأيته بعيني؛ فأمي ترضى وأبي يعيش حياته، كان هذا ما قاله أحمد خالد (33 عامًا).
تقول سالي، إن متعتها لا تأتي حين تثار جنسيًا من الرجال، ولكنها تأتي حين يتلهف عليها رجل متزوج ولديه أبناء، وتستمع منه إلى رغبته في خيانة زوجته ومعاناته معها، ويطل في رأسها فورًا صورة والدها وما كان قد قاله عن والدتها أثناء قيامه بذات الفعل؛ فتزداد غضبًا بشكل أكبر تجاه الرجال وتحتقرهم.
وأوضح أنه مع ما رأى وسمع في حياته، قرر أن يكون نسخة من والده الذي عاش طولها وعرضها وكان سعيدًا ولم يعترضه شيء؛ فالحياة ملذاتها كثيرة ونساؤها أيضًا كثر ومن متع الحياة؛ “فلماذا لا أتذوق من حلاوة الدنيا”- على حد وصفه-، مؤكدًا أنه إذا أرادا الزواج سيجد من تشبه والدته وستصبر، “أو سأخفي عليها فهكذا تسير الأمور”.
وجاء تعليق القويسني، أن المجتمعات العربية تستسيغ الخيانة من الرجال، ولا تعتبرها أمرًا مذمومًا، وبالتالي تقبلها الكثير من السيدات وتتعايش معها، منهن لأسباب مادية، وأخريات لأسباب اجتماعية، ويكون التفكير محدودًا تحت طائلة الدين، بأن الرجل من حقه أن يفعل هذا؛ فالشرع حلل له أربعًا حتى وإن كانت الخيانة في إطار غير شرعي، ولا أحد يفكر في الأبناء وما يتعرضون له؛ فالمشكلات الجنسية التي يتعرض لها الأبناء متعددة نتيجة هذا الأمر؛ منها الرفض، الانتقام من النفس، الفتور، عدم القدرة على الانتصاب للرجال، الشره الجنسي، والرغبة في الانتقام الجسدي أثناء ممارسة الجنس، وغيرها العديد من الأمراض التي لا ينتبه لها الأشخاص المرضى أنفسهم إلا في مراحل معينة.
ومع مجتمع تعيش به المرأة على تقبل أن تكون واحدة ضمن ممتلكات الرجل المتعددة مهما تعددت الأسباب، ورجل قرر أن يكون “سي السيد” دون النظر حوله، وتحمل مسؤوليات أسرة قرر أن يبنيها، ينتج عن ذلك أطفال مشوهون غير قادرين على بناء حياة سوية؛ سواء أكانت كانت اجتماعية أو جنسية.