تحقيق: رقية العبادي ♦ إعداد المقابلات والتصوير: نبيهة الطه
على مدار العقد الماضي، واجهت تربية الدواجن في سوريا تحديات متزايدة، تراوحت بين ارتفاع تكاليف التربية، تقلبات الأسعار، والمنافسة الشديدة من واردات الدواجن واللحوم المستوردة. كما شهد قطاع الدواجن، الذي يُعد المصدر الرئيس والأكثر اقتصادية للبروتين الحيواني، انكماشاً بنسبة 60%، نتيجة للصعوبات المتزايدة في الحصول على أعلاف بأسعار معقولة، وتقلص توافر المراعي بسبب نقص هطول الأمطار؛ وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
في عام 2023، بلغت هذه التحديات ذروتها مع ظهور مرض نيوكاسل (طاعون الطيور)، وهو فيروس شديد العدوى، يسبب نفوقاً كبيراً بين الدواجن. ولمواجهة هذا المرض يجب اتخاذ إجراءات صارمة تشمل إعدام الطيور المصابة، وفرض الحجر الصحي لمدة تصل إلى 21 يوماً، وتطهير المزارع المتضررة. كما يتعين التخلص من الدواجن النافقة بطرق آمنة؛ مثل دفنها في مواقع محددة ومعزولة، أو حرقها تحت إشراف بيطري لضمان عدم انتقال العدوى إلى المزارع المجاورة أو تلويث البيئة، وذلك وفقاً للمعايير التي وضعتها المنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH).
ورغم أهمية هذه الإجراءات في الحد من انتشار المرض، فقد أدت إلى تعطيل كبير في عمليات الإنتاج، وأُجبرت العديد من المزارع على الإغلاق؛ مما زاد من خسائر المربين والتحديات التي يواجهونها. تفاقم الوضع أيضًا مع انتشار أمراض أخرى مثل التهاب الشعب الهوائية المعدي (IB)، المعروف بـ البرونشيت، الذي اشتدت حدته بفعل ارتفاع درجات الحرارة.
على مدار الأشهر الماضية، بحث فريق التحقيق تأثير ارتفاع درجات الحرارة على قطاع الدواجن في سوريا، وكيف أدى ذلك إلى زيادة معدلات نفوق الطيور في بعض المزارع، بالإضافة إلى دور اللقاحات المستوردة ذات الجودة المتدنية، وظروف نقل الدواجن عبر المعابر الحدودية السورية-التركية التي تعاني من نقص في إجراءات الرقابة الصحية اللازمة.
يكشف التحقيق عن الظهور الأول لفيروس نيوكاسل (طاعون الطيور) في سوريا، وعدم إبلاغ المنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH) بانتشار هذا المرض شديد العدوى، رغم تصريحات مندوب المنظمة في سوريا، الدكتور باسم محسن، لوسائل الإعلام التي أكد من خلالها وجود حالات إصابة بين الدواجن في مزارع عدة في محافظات سورية.
قبل الشروع في قراءة هذا التحقيق؛ فمن المهم التعرف على المصطلحات المستخدمة في مجال تربية الدواجن. خلال إعداد التحقيق، واجهنا في البداية بعض التحديات في فهم جميع المصطلحات المتعلقة بطرق التربية والإنتاج في المزارع، لذلك قمنا بتوضيحها من خلال إنفوجرافيك لتسهيل متابعة التفاصيل.
الحرب وارتفاع التكاليف يُغلقان المداجن
في قرية الكسرة غرب دير الزور، لم يبقَ من أصل خمس وستين مدجنة سوى سبع مداجن فقط تعمل، بينما توقفت جميع المداجن الأخرى عن العمل بسبب نقص الأعلاف وغياب الدعم، وفقاً لما ذكره المربي حمد الجدوع في ريف دير الزور شمال شرق سوريا.
ويضيف الجدوع: “الوضع المتردي الذي يواجهه مربو الدواجن في المنطقة أصبح شديد الصعوبة، مع ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب الدعم الحكومي وغير الحكومي، باتت استمرارية عملنا مهددة بشكل كبير، لا يوجد أي دعم، نحن نضطر لشراء المياه النظيفة والمازوت لتشغيل المولدات، بالإضافة إلى الأدوية البيطرية، والأعلاف التي أصبحت باهظة الثمن”.
في شمال شرق سوريا، كانت الحرب سبباً رئيساً في تضرر قطاع الدواجن، تماماً كما حدث في محافظات أخرى. هذا طال التأثير البنية التحتية وقدرة المربين على الشراء والتربية. ووفقاً لعبد الله الحمد، المسؤول والمشرف الأول على قطاع الدواجن، فإن عدد المداجن العاملة في الرقة، دير الزور، والحسكة انخفض بشكل حاد من ثلاثة آلاف إلى ما لا يتجاوز 200 مدجنة، بسبب الخسائر الناتجة عن ارتفاع تكاليف التربية.
وفي نيسان/أبريل 2024، ذكرت صحيفة “تشرين” الحكومية نقلاً عن مدير زراعة حماة، المهندس أشرف باكير، أن محافظة حماة تضم 400 مدجنة مرخصة، و24 مدجنة غير مرخصة، تتنوع بين تربية الفروج، البيّاضة، والأمّات. وأوضح أن أكثر من 45% من هذه المداجن خرجت من دائرة الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار المواد العلفية وارتفاع تكلفة الأدوية والمواد البيطرية.
السياق نفسه ينطبق على شمالي سوريا، حيث يواجه مربو الدواجن في مدينة الباب وريفها التحديات ذاتها. يقول سعيد محمود الجبلي، رئيس رابطة الدواجن: “كانت مدينة الباب وريفها تشكل مركز ثقل قطاع الدواجن، حيث كنا نمد حلب وكل المنطقة الشرقية من سوريا، بما في ذلك الحسكة والقامشلي. كان الجميع يعتمد علينا في تربية الدواجن”.
يضيف: “في عام 2019، كان لدينا مليونان ونصف المليون من الدجاج البياض، وثلاثة ملايين من فروج اللحم. لكن اليوم، وصلنا إلى مرحلة لم يبقَ فيها سوى خمسمئة ألف طائر تتم تربيتها في مدينة الباب. أغلق المربون مداجنهم بسبب ارتفاع تكاليف التربية، خاصة أسعار الأعلاف”.
البيانات الصادرة عن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي التابعة للحكومة السورية تُشير إلى أن عدد مزارع الدواجن في سوريا شهد انخفاضاً ملحوظاً خلال العقد الماضي، حيث انخفض بنسبة 13% في عام 2014 مقارنة بعام 2013، واستمر الانخفاض بنسبة 1.7% في عام 2022. كما تراجعت أعداد الدواجن بنسبة تزيد عن 70% منذ عام 2011، مع تسجيل انخفاض حاد بنسبة 31% في عام 2022 مقارنة بالعام 2021.
نُفوق الدواجن بسبب الحرارة
تأتي هذه التحديات التي تواجه قطاع الدواجن في سوريا وسط تفاقم إضافي بفعل التغيرات المناخية. ففي ظل ارتفاع درجات الحرارة لمعدلات تصل إلى 43 أو 45 درجة مئوية في فصل الصيف، يكافح مربو الدواجن للحفاظ على حياة طيورهم واستمرار عملهم في مداجنهم.
يوضح حمد الجدوع، مربي دواجن من ريف دير الزور، أن الحرارة العالية تزيد من صعوبة الوضع، خاصة مع غياب المعدات الحديثة للتبريد. يقول الجدوع: “يجب أن أخفض الحرارة داخل المدجنة إلى 27 درجة مئوية، لكن مهما حاولت، لا أستطيع”.
يعتمد الجدوع على وسائل بدائية مثل رذاذ المياه، نظراً لعدم قدرته على توفير خلايا التبريد والشفاطات الضرورية بسبب ارتفاع تكلفتها. ويضيف: “الخلايا الحديثة تكلف حوالي ألف وخمسمائة دولار، بينما الشفاط يكلف ثلاثمائة وخمسة وسبعين دولاراً. ولكن، في ظل وضعنا الحالي، لا يمكننا تحمل تكاليف هذه المعدات”.
معاناة “حمد” ليست حالة فردية، بل تعكس واقعاً عاماً يواجهه بعض مربو الدواجن في سوريا. الدكتور البيطري عبدالله الحمد، مسؤول ومشرف على قطاع الدواجن في شمال شرق سوريا ورئيس اتحاد الأطباء البيطريين سابقاً، قال لفريق التحقيق إن: “درجات الحرارة المرتفعة في المداجن غير المجهزة بوسائل التبريد تسبب صدمات حرارية للدواجن، مما يؤدي إلى انتشار فيروسات ونفوق يصل إلى 70% من كمية الفروج التي يتم تربيتها”.
ووفقاً للدراسة العلمية التي نُشرت على منصة ScienceDirect في 22 من أيلول/ سبتمبر 2023 بعنوان “الإجهاد الحراري وإنتاج الدواجن: مراجعة شاملة”، يشكل الإجهاد الحراري تهديداً متزايداً لصناعة الدواجن. توصي الدراسة بتطوير استراتيجيات شاملة لتحسين ممارسات الإدارة، مثل التهوية الجيدة وتصميم المداجن، وضبط كثافة الطيور، بهدف تحسين الراحة الحرارية وتقليل العبء الحراري على الطيور”.
وفي حزيران/يونيو 2024، سجلت درجات الحرارة مستويات غير مسبوقة، حيث صنفت خدمة كوبرنيكوس الأوروبية لتغير المناخ هذا الشهر كأكثر الأشهر دفئاً على الإطلاق. وبحسب المديرية العامة للأرصاد الجوية السورية، شهدت البلاد ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة بمقدار 3 إلى 5 درجات مئوية فوق المعدلات الطبيعية.
ووفقاً للبيانات الصادرة عن البنك الدولي خلال السنوات الأخيرة، يظهر أن هناك اتجاهاً عاماً نحو ارتفاع درجات الحرارة القصوى خلال أشهر الصيف في سوريا، حيث سجلت درجات الحرارة في عامي 2023 و2024 ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالسنوات السابقة، مما يزيد من احتمالية حدوث حالات الإجهاد الحراري.
في ظل هذه الظروف القاسية، أطلقت مديرية الثروة الحيوانية التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا في 20 من حزيران/يونيو 2024، تحذيرات عبر حسابها على فيسبوك، مشيرة إلى أن الإجهاد الحراري يشكل خطراً كبيراً على صحة الدواجن، مما يؤدي إلى خسائر فادحة في الإنتاج.
ذكر الدكتور باسم محسن، مدير الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة السورية، لموقع “أثر برس” المحلي في 8 من حزيران/يونيو 2024، بأن “الارتفاع الشديد في درجات الحرارة خلال الفترة الماضية قد تسبب في نفوق عدد كبير من الطيور في المنطقة”. وأضاف أن الحالات الطبيعية لنفوق الطيور تتراوح بين 7 إلى 8 طيور يومياً، ولكن عندما يتجاوز العدد 100 طائر في اليوم، فإن الوضع يصبح غير طبيعي ويدعو للقلق.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة أو رسمية حول عدد الدواجن التي نفقت بسبب موجات الحرارة المرتفعة في سوريا خلال السنوات الماضية، قدّر الدكتور سامي أبو دان، مدير عام المؤسسة العامة للدواجن التابعة للحكومة السورية، أن نسبة النفوق في بعض المداجن وصلت إلى 70% في عام 2023.
الدواجن الهشة عرضة للأمراض
مع تزايد الضغط الناتج عن الظروف البيئية القاسية، لا يقتصر تأثير الإجهاد الحراري على نفوق الدواجن بسبب الحرارة المرتفعة فقط، بل يمتد ليشمل إضعاف مناعة الطيور، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الوبائية، مثل مرض نيوكاسل (طاعون الطيور). وقد تفاقمت آثاره بشكل ملحوظ في سوريا مع تزايد حالات الإجهاد الحراري.
في شمال سوريا، بمدينة الباب وريفها، يواجه مربو الدواجن تحديات جسيمة. يُعانون من خسائر كبيرة بسبب الأمراض وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الطاقة والعلف. حسن الحركوش، صاحب مدجنة “عالم الدواجن” ومربي وموزع لإحدى الشركات الصناعية في شمال غرب سوريا، كان يربي حوالي مئة ألف إلى مئة وخمسين ألف طائر، ولكن اليوم تقلص هذا العدد إلى حوالي خمسين ألف طائر.
يقول الحركوش: “لقد أتلفت أكثر من مدجنة بسبب الأمراض. كانت بعض المداجن تحتوي على عشرة آلاف طائر، أو خمسة عشر ألف طائر، وأحياناً تصل إلى عشرين ألف طائر، وهذه خسائر كبيرة بصراحة”. ويضيف: ” توقفت نسبة كبيرة من المنشآت عن العمل، وبقيت فقط حوالي خمسين بالمئة منها تعمل. من بين كل عشر منشآت، أربع فقط ما زالت تعمل فعلياً”.
وفي ريف دير الزور شمال شرق سوريا، يروي مربي الدواجن حمد الجدوع تجربته قائلاً: “تعرضت لخسارة كبيرة بسبب إصابة الفروج في مزرعتي بمرض برونشيت (Bronchitis)؛ ما تسبب في نفوق ما بين 50 و80 طيراً يومياً، وخلال شهر واحد فقدت حوالي 2300 طير”.
ورغم التحديات التي يفرضها مرض برونشيت ما يسمى علمياً “التهاب الشعب الهوائية المعدي (IB)”، إلا أنه ليس التهديد الوحيد الذي يواجه قطاع الدواجن في سوريا، فقد شهد القطاع كارثة كبيرة في عام 2023 بسبب انتشار فيروس نيوكاسل (طاعون الطيور)، حيث تسبب هذا المرض في نفوق ما بين 50% إلى 70% من الدواجن في كل مزرعة، بحسب الدكتور البيطري عبدالله الحمد، مسؤول ومشرف على قطاع الدواجن في شمال شرق سوريا، ورئيس اتحاد الأطباء البيطريين في دير الزور سابقاً.
في 20 شباط/فبراير 2024، نقلت صحيفة تشرين الحكومية المحلية عن الدكتور باسم محسن، مدير الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة السورية، قوله: “في بداية أيلول/سبتمبر من عام 2023، شهدت المنطقة ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة؛ ما أدى إلى حدوث إجهاد حراري لدى الطيور. تسبب هذا الإجهاد في كسر المناعة لدى بعض الطيور، مما أدى إلى ظهور حالات مشتبهة بمرض النيوكاسل “شبه الطاعون” لدى بعض المربين”. وأوضح أن إهمال المزارع فيما يخص الأمن الحيوي، ونوعية الأعلاف منخفضة القيمة الغذائية، واللقاحات مجهولة المصدر، بالإضافة إلى إغفال المزارعين إعطاء اللقاحات في الوقت المناسب، بما في ذلك لقاح النيوكاسل الجمبور-البرونشيت المتغاير، كان عاملاً مساهماً في تفاقم الوضع.
ووفقاً لدراسة علمية نُشرت في 21 من نيسان/أبريل 2024 على موقع المكتبة الوطنية للطب، بعنوان “الإجهاد والمناعة في الدواجن”، تؤكد أن الإجهاد الحراري يؤدي إلى تقليل تناول العلف والنمو عند الدواجن، ويضعف الاستجابة المناعية والوظائف الحيوية، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض.
أين ظهر فيروس نيوكاسل أولاً؟
ظهر فيروس نيوكاسل (طاعون الطيور) في 26 من شباط/فبراير 2021، في منطقة جل آغا (الجوادية) بريف القامشلي، شمال شرق سوريا.
بحسب تقرير نشره موقع “نورث بريس” المحلي. ويظهر التقرير فيديوهات وصوراً لنفوق الدواجن، كما أشار أحد المربين إلى فقدان شهية الدواجن، حيث كان يقدم لها الأعلاف في اليوم 9 أكياس، ولاحظ انخفاضه بما يقارب 7 أكياس يومياً، وهذه الأعراض من المؤشرات المبكرة لمرض نيوكاسل.
وفي 10 من نيسان/أبريل 2021، أكد مدير زراعة محافظة الحسكة التابعة للحكومة السورية، المهندس رجب سلامة، في تصريح لوكالة سانا، “أن إصابة الدواجن بمرض نيوكاسل كانت “ضمن الحدود الطبيعية” للفترة الزمنية التي شهدت فيها سوريا تفشي المرض”.
على الرغم من أن ظهور نيوكاسل في شمال شرق سوريا كان قبل سنتين، إلا أنه لم يتم رصد حالات للفيروس خلال عام 2022 في جميع أنحاء سوريا. ومع ذلك، عاد الفيروس للظهور في حزيران/يونيو 2023، حيث ذكرت العديد من التقارير الإعلامية الحكومية وغير الحكومية حدوث نفوق للدواجن بسبب فيروس نيوكاسل (طاعون الطيور) القادم من تركيا.
وفي السياق، أعلنت المنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH) عن تسجيل أول حالة إصابة بإنفلونزا الطيور عالية المرضية (H5N1) في مقاطعة أفيون غرب تركيا، في 31 من كانون الثاني/يناير 2023، ووفقاً لتقرير المنظمة، قام معهد بورنوفا للرقابة البيطرية بتحليل عينات من الطيور المصابة، وأظهرت النتائج إصابتها بالفيروس.
وأوضحت المنظمة أنه تم إنشاء منطقة حماية بقطر 3 كيلومترات ومنطقة مراقبة بقطر 10 كيلومترات، حول منطقة تفشي المرض. يتم في هذه المناطق، تنفيذ إجراءات التقصي والفحص الوبائي مع استمرار ذبح الدواجن لمنع انتشار الفيروس. وأن الحالة ما زالت قيد المتابعة، مما يشير إلى أن السيطرة على انتشار المرض لم تتحقق بالكامل بعد.
وعلى الرغم من أن فيروس (H5N1) وفيروس نيوكاسل (NDV) كليهما من الأمراض المعدية التي قد ترتبط بتربية الدواجن التجارية، وكذلك بحركة الطيور البرية (مثل الحمام في حالة مرض نيوكاسل، والطيور المائية في حالة H5N1)، إلا أن الفيروسين ينتميان إلى عائلتين فيروسيتين مختلفتين.
يقول ثيجس كويكن، عالم الأمراض المقارنة في المركز الطبي بجامعة إيراسموس في هولندا، لفريق التحقيق: “فيروس نيوكاسل (طاعون الطيور) ينتمي إلى عائلة Paramyxoviridae، وفيروس H5N1 ينتمي إلى عائلة Orthomyxoviridae، لذلك من المستحيل أن يتحول فيروس H5N1 إلى فيروس نيوكاسل، تماماً؛ مثل استحالة تحول القطة المنزلية (عائلة السنوريات) إلى ذئب (عائلة الكلبيات)”. وبالتالي، “يجب البحث عن مصدر تفشي فيروس نيوكاسل بين الدواجن المحلية في سوريا في مكان آخر”.
تنفي الإبلاغ عن نيوكاسل WOAH
تواصل فريق التحقيق مع المنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH) عبر البريد الإلكتروني للاستفسار حول الإبلاغ عن ظهور حالات لمرض نيوكاسل في تركيا أو سوريا خلال الفترة الماضية، خاصةً وأن الدكتور باسم محسن، مدير الصحة الحيوانية في الحكومة السورية، هو المندوب الرسمي لسوريا لدى المنظمة.
جاء رد المنظمة بأن سوريا وتركيا لم تقدما أي تقارير عن تفشي مرض نيوكاسل إلى نظام معلومات الصحة الحيوانية العالمي (WAHIS) في عام 2024. وأوضحت المنظمة أن آخر تفشٍ لمرض نيوكاسل في تركيا تم الإبلاغ عنه في الـ 7 من آب/أغسطس 2006، وتمت السيطرة عليه في الـ 9 من كانون الثاني/يناير 2007. كما أكدت المنظمة أن سوريا لم تبلِّغ عن أي حالات تفشٍ لمرض نيوكاسل في السابق.
عند سؤال فريق التحقيق للمنظمة عن سبب عدم إبلاغ مندوبهم بوجود حالات لمرض نيوكاسل، جاء رد المنظمة كالتالي: “لقد قمنا بإعادة التحقق، ولم نتلقَّ أي إخطارات بخصوص مرض نيوكاسل من سوريا عبر نظام WAHIS، حيث أبلغت البلاد عن خلوها من المرض خلال الفصل الثاني من عام 2023”.
على الرغم من أن تصريحات الدكتور باسم محسن التي أدلى بها لعدة وسائل إعلام حكومية سورية؛ منها وكالة الأنباء السورية سانا، حيث أكد وجود حالات لمرض نيوكاسل في سوريا، مشيراً إلى حدوث نفوق بين الدواجن. ووفقاً لقانون صحة الحيوانات البرية لدى المنظمة (WOAH)، الذي ينص في المادة 10.9.2 على ضرورة الإبلاغ عن الحالات المرَضيّة المشتبه بها حول مرض نيوكاسل.
في 4 من أيلول/سبتمبر 2024، قبل نشر التحقيق، أرسلت لنا المنظمة العالمية لصحة الحيوان بريداً إلكترونياً لتحديث المعلومات حول انتشار فيروس نيوكاسل. جاء فيه: “بعد التواصل مع الداخل السوري، تأكد لنا أن ارتفاع حالات نفوق الطيور مرتبط بزيادة نسبة السموم الفطرية في الأعلاف المقدمة للطيور، والتي تزامنت مع الإجهاد الحراري الناجم عن موجة الحر التي شهدتها البلاد خلال شهر آب/أغسطس 2023”.
بحثنا عن التصريحات التي أدلى بها الدكتور باسم محسن لوسائل الإعلام، والتي أشار فيها إلى زيادة نسبة السموم الفطرية في الأعلاف، ولم نجد سوى تقريرين: الأول نُشر في صحيفة “تشرين” بتاريخ 20 من شباط/فبراير 2024، والثاني نُشر على موقع “خبير سوري” بتاريخ 26 من شباط/فبراير 2024. في كلا التقريرين، ذكر الدكتور محسن أن “نوعية الأعلاف منخفضة القيمة أسهمت في انتشار المرض ونفوق أعداد كبيرة من الدواجن”.
من الناحية العلمية، تختلف آلية تأثير الأعلاف منخفضة القيمة عن السموم الفطرية على صحة الدواجن وتسبب الأعلاف منخفضة القيمة سوء تغذية تدريجياً، مما يؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي وجعل الطيور أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، مثل مرض نيوكاسل. وفقاً لدراسة علمية بعنوان “تأثير الإجهاد الحراري على صحة الدواجن وأدائها واستراتيجيات التخفيف المحتملة”، نُشرت في مجلة MDPI بتاريخ 24 من تموز/يوليو 2020، فإن الدواجن التي تتغذى على أعلاف غير متوازنة تفتقر إلى العناصر الأساسية الضرورية لدعم عمليات التمثيل الغذائي والمناعة؛ ما يزيد من احتمالية النفوق إذا لم تُتخذ التدابير اللازمة.
في المقابل، تؤدي السموم الفطرية في الأعلاف، مثل الأفلاتوكسين والفيومونيزين، إلى تسمم مباشر للأعضاء الحيوية للدواجن، بما في ذلك الكبد والجهاز المناعي. هذه السموم تنتجها الفطريات التي تنمو في الأعلاف المخزنة في ظروف غير ملائمة. حتى في غياب العوامل البيئية مثل الإجهاد الحراري، يمكن للسموم الفطرية أن تسبب نفوقاً سريعاً بسبب تأثيراتها السامة، هذا ما أكدته دراسة أخرى بعنوان “استراتيجيات العلاج للسيطرة على السموم الفطرية في الأعلاف”، نُشرت في مجلة علوم الحيوان والتكنولوجيا الحيوية بتاريخ 28 من كانون الثاني/يناير 2022.
سوء تخزين اللقاحات المستوردة
في ظل التحديات الصحية المتفاقمة التي يواجهها مربو الدواجن في سوريا، تتزايد تساؤلات حول دور اللقاحات المستوردة في مكافحة هذه الأمراض، خصوصاً مع الظروف البيئية القاسية، وانتشار أمراض مثل نيوكاسل ومرض البرونشيت “التهاب الشعب الهوائية المعدي”.
يقول حمد الجدوع، مربي دواجن في دير الزور شمال شرق سوريا: “المربون في منطقتي يعتمدون على مكاتب تابعة لشركات صناعية وتجارية، يزوّدونهم بالعلف والصيصان، إضافة إلى الأدوية البيطرية التي يتم استيرادها من تركيا”. ومع ذلك، فإن جودة هذه الأدوية غالباً ما تكون رديئة، وهناك انتشار للأدوية المزورة أو الفاسدة التي يتم تغيير تواريخ صلاحيتها وتهريبها إلى مناطق شمال وشرق سوريا نتيجة لغياب الرقابة الدوائية الفعالة.
عبد الله الحمد، مسؤول ومشرف أول على قطاع الدواجن، ورئيس اتحاد البيطريين سابقاً في شمال شرق سوريا، يؤكد أن “اللقاحات المستوردة من تركيا أو عبر إقليم كردستان، أو تلك المهربة من الأردن، قد ساهمت أحياناً في تفاقم المشاكل الصحية بدلاً من حلها”.
ويضيف: “في بعض الأحيان كانت اللقاحات تصل فاسدة بسبب سوء التخزين (غير مبردة بشكل مناسب)، وأدى هذا إلى انتشار الأمراض بسرعة كبيرة”. بلغت نسبة نفوق الدواجن بسبب الجوائح المرضية في المدن الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية مستويات مرتفعة بشكل كبير. ففي دير الزور، وصلت نسبة النفوق إلى 60%، وفي الحسكة 50%، بينما في الرقة ومنبج بلغت حوالي 30%، وفقاً لمسؤول قطاع الدواجن.
من جهة أخرى، يشير الطبيب البيطري والمربي محمد الغرقان في مدينة إدلب شمال غرب سوريا، إلى أن استيراد اللقاحات دون رقابة صارمة كان سبباً في انتشار الأمراض. ويضيف الغرقان: “البعض يستورد اللقاحات لأغراض ربحية دون النظر في جودتها، مما يؤدي إلى تفشي الأمراض”.
نظراً لأهمية اللقاحات في الحد من انتشار الأمراض، قام فريق التحقيق بإجراء بحثٍ حول اللقاحات المستوردة والمستخدمة لعلاج داء نيوكاسل (طاعون الطيور) والتهاب الشعب الهوائية (IB). من خلال مراجعة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للشركات الصناعية في شمال غرب سوريا، تمكّن الفريق من الحصول على صور لهذه اللقاحات على حساب الفيسبوك لشركة المراعي في إدلب وريفها، والتأكد من أن المزارعين المحليين يستخدمون نفس هذه اللقاحات والعلامات التجارية الدوائية.
أجرينا بحثاً حول الشركة المصنعة لهذه اللقاحات، “Ceva Santé Animale”، وهي شركة فرنسية تُعَد تاسع أكبر مجموعة أدوية بيطرية في العالم، بحسب ما ذكر على موقعها. تتضمن المنتجات الأربعة التي تم التحقق منها:
تحدثنا مع أحد المكاتب التابعة للشركات الصناعية التي تقوم باستيراد الأدوية البيطرية لفهم كيفية الاستيراد وطرق نقلها، خاصةً خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة. قال لنا حسن حركوش، وهو مربي وموزع لصالح شركة “أم القرى”، وهي إحدى كبرى شركات الدواجن في مدينة الباب شمال سوريا، يقومون بتوزيع لمناطق مختلفة في سوريا، ” نشتري الأدوية البيطرية عن طريق تجار أتراك، وتتم عملية الشحن عبر المعابر الحدودية (معبر الراعي، باب السلامة) باستخدام شاحنات أو سيارات غير مخصصة لنقل الأدوية ولا تحتوي على برادات”.
وفقاً للتعليمات الدوائية التي توضحها الشركة المصنعة على موقعها الرسمي، يجب تخزين هذه اللقاحات في درجة حرارة تتراوح بين +2 درجة مئوية و+8 درجة مئوية، مع ضرورة حمايتها من الضوء. كما تشير الشركة إلى أن بعض هذه اللقاحات يجب ألّا تُجمّد لضمان فعاليتها. وهذا لا يتوافق مع عملية النقل التي أخبرنا بها حسن حركوش.
تُشير دراسة نشرت في تشرين الأول/ أكتوبر 2009، بعنوان “تأثير ظروف التخزين على فعالية لقاح مرض نيوكاسل”، والتي أُجريت على لقاح مرض نيوكاسل (La Sota) المُخزّن في ظروف انقطاع التيار الكهربائي، إلى تدهور كبير في فعالية اللقاح عندما تم تخزينه تحت ظروف غير مثالية، فقد انخفضت قوة اللقاح من 128 قبل التخزين إلى 8 فقط بعد 140 يوماً من التخزين، مما يدل على انخفاض حاد في فعاليته.
قام فريق التحقيق بإرسال عدة رسائل عبر البريد الإلكتروني للتواصل مع الشركة الدوائية، ولكننا لم نتلقَّ أي رد على استفساراتنا بشأن جودة اللقاحات التي يحصل عليها المربون في سوريا حتى تاريخ نشر التحقيق.
أمّات الفروج المستوردة
إلى جانب التحديات التي تفرضها اللقاحات المستوردة، يواجه مربو الدواجن في سوريا مشكلة أخرى تتعلق باستيراد أمّات الفروج من تركيا، حيث يُعتقد أن الدواجن المستوردة قد تكون سبباً في انتشار الأمراض.
محمد، مربي دواجن في الثلاثينات من عمره من قرية “العجمي” شرق مدينة الباب في ريف حلب، يعمل في تربية الدواجن منذ 15 عاماً. خلال هذه الفترة، واجه محمد، كغيره من المربين، خسائر كبيرة، على حد تعبيره. نتيجة انتشار الأمراض في مزرعته، حيث بلغت خسائره حوالي 25 ألف دولار خلال عشرين يوماً فقط. يقول محمد: “أحد الأسباب التي ساهمت في انتشار الأمراض في مزرعتي هو استيراد أمّات الفروج من تركيا”.
في 2 حزيران/يونيو 2024، أرسل رئيس رابطة الدواجن في مدينة الباب وريفها كتاباً خطياً إلى المجلس المحلي، ومدير الزراعة والصحة الحيوانية في مدينة الباب، حصل فريق التحقيق على نسخة منه، دعا فيه رئيس رابطة الدواجن إلى “تفعيل الرقابة المحلية على منتجات الدجاج اللاحم والبيض”. أشار الكتاب إلى انتشار الأوبئة التي أدت إلى جوائح مرَضيّة في قطاع الدواجن وصناعتها، محذراً من وقوع كارثة صحية في الشمال السوري.
وأوضح سعيد محمود الجبلي، رئيس رابطة الدواجن في مدينة الباب وريفها، أن المشكلة تكمن في أن الدجاج القادم من تركيا يكون في نهاية دورة تربيته ويحمل أمراضاً عديدة، مضيفاً: “نحن لا نملك اللقاحات اللازمة لمواجهتها. طلبنا من جميع الجهات المعنية، بما في ذلك غرفة التجارة، المساعدة في هذه القضية، وقد تفاعلوا معنا، لكن الوضع ما زال خطراً ويحتاج إلى تدخل عاجل”.
ووفقاً للبيانات التي زوّدنا بها وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، عبد الحكيم المصري، أن “إجمالي استيراد الدجاج الحي من تركيا، عبر معبر الراعي وباب السلامة، خلال النصف الأول من عام 2024 بلغ حوالي 14,106 أطنان، وتم تصدير داخلي لـ 7,861 طنًا منها إلى مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا”.
تٌشير البيانات الصادرة عن قاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة إلى أن صادرات تركيا من الدواجن الحية إلى سوريا زادت بنسبة 44.8% خلال السنوات العشر الماضية، حيث ارتفع الوزن الصافي من 1069.769 طناً في عام 2014 إلى 1550.061 طناً في عام 2023.
تأثير الإجهاد الحراري على نقل الدواجن
وفقاً لدراسة أجراها M.A. Mitchell وP.J. Kettlewell لصالح منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإن التحديات الحرارية، مثل ارتفاع درجات الحرارة أو البرودة الشديدة، تشكل التهديد الرئيس لرفاهية الطيور أثناء النقل، ويمكن أن تؤدي هذه الظروف إلى تفاقم الإجهاد الحراري نتيجة الانسحاب المطول للطعام والماء، وكذلك التعرض للاهتزازات والتسارعات خلال النقل. هذه العوامل مجتمعة قد تزيد من معدل النفوق أثناء النقل، خاصة في ظل الظروف الجوية القاسية.
نقل الدواجن جزء لا مفر منه في سلسلة تربية الحيوانات، سواء أكان لنقلها إلى مزارع أخرى، ساحات البيع، مزارع التسمين، أو المسالخ. قد تستغرق الرحلات حتى 48 ساعة دون توفير الماء أو العلف اللازم. يتم النقل عادةً في شاحنات مفتوحة ومعرضة للعوامل الجوية، مما يزيد من معاناة الحيوانات، خصوصاً في فصل الصيف حيث تتجاوز درجات الحرارة في بعض الأحيان 40 درجة مئوية.
في محاولة لفهم كيفية نقل الدواجن الحية عبر المعابر الحدودية بين سوريا وتركيا، لم يُسمح لنا بالتصوير من قبل إدارة المعابر الحدودية (الراعي وباب السلامة). لذلك تواصلنا مع بعض الشركات التي تقوم بعمليات الاستيراد عبر الحدود، لكنهم لم يكونوا متعاونين فيما يتعلق بالتصوير.
ومع ذلك، تمكنّا من الحصول على مقطع فيديو من حسن حركوش، مربي وصاحب محل “عالم الدواجن” في مدينة الباب، يُظهِر الفيديو، الذي لم يُحدد تاريخه، تكدُّس مئات الدجاج الحيّة (أمّات الفروج) في صناديق بلاستيكية داخل شاحنة تركية مفتوحة تحت شمس عمودية. وعندما سألنا حركوش عن اتجاه الشاحنة وطريقة النقل في هذه الظروف، أوضح: “أن الشاحنة كانت قادمة من تركيا عبر معبر الراعي متوجهة إلى شمال سوريا، وأنهم يقومون دائماً بعمليات الشحن بهذا الشكل، حيث يتم رش المياه على الدواجن للحفاظ على نشاطها”.
ضعف الرقابة على المعابر الحدودية
يشكو العديد من مربي الدواجن في شمال غرب سوريا من ضعف الرقابة على الواردات القادمة من تركيا، خاصة في ظل تفشي الأمراض الوبائية، في حين تخضع المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا لسيطرة جهات متعددة من الجانب السوري، لذلك كان لا بُد من معرفة وضع الرقابة من كل جهة مختلفة.
في شمال غرب سوريا، في معبر باب الهوى، ورغم وجود مختبرات للفحص البيطري، إلا أن فعالية هذه الرقابة تبقى محدودة. يؤكد رئيس دائرة الصحة الحيوانية في حكومة الإنقاذ “حكومة الأمر الواقع في محافظة إدلب”، الدكتور عبد الحي اليوسف، أن الرقابة الصحية موجودة بالفعل، لكنها تواجه تحديات كبيرة.
وفقاً للدكتور عبد الحي اليوسف، تُبذل جهود لتبسيط السلسلة الرقابية من خلال تقليص الإجراءات المتبعة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمواد المستوردة مثل الصيصان من تركيا. حيث يوضح أن التحاليل البيطرية المتقدمة مثل BSR والتحاليل المناعية تُعتبر مكلفة للغاية، وهذا يزيد من العبء المالي على المربين، وبالتالي يُفضل تبسيط السلسلة الرقابية قدر الإمكان.
عند توجيه السؤال إلى وزير الاقتصاد في الحكومة المؤقتة، عبد الحكيم المصري، حول الرقابة الصحية المتبعة في معبر باب السلامة، أجاب: “نحن لا نسمح بدخول أي مادة إلا بعد اختبارها، بغض النظر عن مصدرها، حتى لو كانت المواد تأتي من منظمات الإغاثة ويتم توزيعها مجاناً، فإننا نختبرها بدقة أكبر مما يفعله التجار”. وأضاف: “في الوقت الحالي، نقوم باختبار قسم كبير من المواد في مختبرات في تركيا، بينما توجد بعض المختبرات هنا، لكنها غير كافية”.
ومن جانبه، قال سعيد الجبلي، رئيس رابطة الدواجن في مدينة الباب وريفها: “غياب الفحص الدقيق للمنتجات المستوردة يسمح بدخول مواد غير مطابقة للمواصفات الصحية المطلوبة، ساهم هذا القصور في الرقابة بشكل مباشر في انتشار الأمراض بين الدواجن وزيادة خسائرهم”.
وأضاف الجبلي: “لقد طالبنا بتطبيق الرقابة الصحية على المنتجات التي تدخل عبر المعابر، لكن للأسف، غرفة التجارة لا تولي اهتماماً كبيراً لهذا الأمر”. ويضيف: “تحدثنا مع التجار الأتراك، وطالبنا بوضع جهاز فحص صحي عند المعابر، أو أن تدخل المنتجات فقط بشهادة صحية معتمدة من جانبنا، وليس من الجانب التركي”.
على الرغم من التهديدات المتزايدة التي يواجهها قطاع الدواجن في سوريا، سواء أكان من تغيرات مناخية، وأمراض قاتلة، أو ضعف الرقابة على الاستيراد؛ يستمر المربون في مواجهة خسائر فادحة. ومع استمرار تفشي الأمراض وانتشارها دون رقابة فعّالة، يبقى السؤال المطروح: كيف يمكن لهذا القطاع أن يصمد في ظل هذه التحديات المتفاقمة؟
أُنجز هذا التحقيق بدعم من نوى ميديا