أصدرت المحكمة الابتدائية بمسقط بتاريخ 10 أبريل 2025 حكماً حضورياً قضى بإدانة مواطن عماني يدعى طلال السلماني، تضَّمن عقوبة بالسجن والغرامة، وذلك على خلفية مشاركته في وقفة احتجاجية تضامنية مع غزة. وقد أثار الحكم ردود فعل متباينة من قبل عدد من المعلقين والمهتمين، بسبب طبيعة التهم الموجهة إليه، وإجراءات القبض والتحقيق والمحاكمة السريعة.
وكانت الأجهزة الأمنية قد ألقت القبض على السلماني بتاريخ 8 أبريل 2025، عقب مشاركته في وقفة تضامنية مع أهل غزة، مساء اليوم السابق، وبعد تحقيق لمدة يومين، تمت إحالته إلى المحكمة، ووجه الادعاء العام إليه تهمتي؛ الاشتراك في تجمهر عام، والثانية إذاعة أخبار وشائعات من شأنها النيل من هيبة الدولة.
ويثير هذا الحكم تساؤلات حول مدى التزام السلطات المعنية بالضمانات القانونية المرتبطة بحرية التعبير والتجمع السلمي، كما يكشف عن الحاجة إلى مراجعة آليات المحاسبة القضائية في مثل هذه القضايا التي تمس حقوق الإنسان الأساسية.
إدانة السلماني
قال بيان صفحة الادعاء العام على منصة “إكس” إن “الادعاء العام قد باشر التحقيق مع المتهم، وخلص إلى التقرير بإحالته إلى المحكمة المختصة بعد ثبوت ارتكابه الجرائم المنسوبة إليه بتاريخ 7 أبريل 2025”. وقضت المحكمة الابتدائية في مسقط بمعاقبة السلماني بالسجن لمدة سنة، وغرامة قدرها 500 ريال عماني في الجنحة الأولى، والسجن لمدة سنة في الثانية، على أن تدغم العقوبتان بحقه، وينفذ الأشد منهما، مع الأمر بنشر الحكم وإلزامه بالمصاريف.
🔷 السجن والغرامة للاشتراك في التجمهر والتحريض وإذاعة أخبار وبيانات من شأنها النيل من هيبة الدولة. pic.twitter.com/TdUNZz8YMT
— الادعاء العام (@oman_pp) April 10, 2025
وكان مقطع مصور قد انتشر خلال الوقفة التضامنية أمام جامع السلطان قابوس الأكبر في العاصمة مسقط، ظهر فيه السلماني متحدثًا ومستنكرًا مطالبة بعض الحضور بتوجيه الشكر إلى الأمن العُماني، ومنددًا بممارسات الأمن التضييقية بحض المشاركين في الوقفة، والتي شملت التفتيش ومنع دخول الأوشحة. كما وجه انتقادات للحكومات العربية التي وصفها بـ”المُطبعة” مع إسرائيل، وأدان الصمت الحكومي تجاه ما يحدث في غزة.
وهناك شك حول مخالفات قانونية شهدتها محاكمة السلماني، حيث تنصّ المادة (163) من قانون الإجراءات الجزائية لسنة 1999 وتعديلاته، على “يكون تكليف الخصوم الحضور أمام المحكمة قبل انعقاد الجلسة بثلاثة أيام في المخالفات وبسبعة أيام في الجنح وبعشرة أيام في الجنايات. ويجب أن تذكر في ورقة التكليف بالحضور التهمة ومواد القانون التي تنص على العقوبة.” بالمخالفة لنصّ المادة، انعقدت جلسة المحاكمة بعد يومين فقط من توجيه الادعاء العام تهمة ارتكاب جنحتين.
وسبق وأن قامت السلطات الأمنية باستدعاء واحتجاز السلماني في 29 سبتمبر/ أيلول 2023، وقامت بالإفراج عنه في 26 أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، دون توجيه اتهامات إليه.
سبق أن قامت السلطات الأمنية باستدعاء واحتجاز السلماني في 29 سبتمبر/ أيلول 2023، وقامت بالإفراج عنه في 26 أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، دون توجيه اتهامات إليه.
ضبابية قانونية
وتحدد المواد (121، 122، 123، و124) من قانون الجزاء لسنة 2018 عدة عقوبات تشمل السجن والغرامة المالية لكل من يشارك في تجمهر في مكان عام، مكون من أكثر من عشرة أفراد، وذلك في عدة حالات، وهي: إذا كان من شأن التجمهر الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو إذا بقي الشخص متجمهرًا بعد صدور أمر بالتفرق أو الانصراف من السلطات المختصة، أو حمل سلاح أبيض أو سلاح ناري أو من أي الأدوات أو المواد غير المعتاد حملها في الأحوال العادية.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أعرب عن قلقه بعد إصدار مرسوم سلطاني رقم 68 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، مشيرًا إلى أنّه قد يوَظف للحد من حرية الرأي والتعبير وانتقاد السلطات الحاكمة. وأشار تقرير المركز إلى أنّ توسع الحكومة في تقييد الحقوق والحريات في البلاد، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات، في تعديل قانون الجزاء، وفق المرسوم رقم 7 لسنة 2018. ولفت إلى أنّ السلطات العمانية وظفت طوال السنوات الماضية قانون تنظيم الاتصالات العماني لسنة 2022، وقانون مكافحة الجرائم الإلكتروني للعام 2011، لتقييد حرية التعبير عن الرأي وملاحقة النشطاء والصحافيين ومنتقدي السلطات، ومعاقبتهم بالحبس أو المنع من السفر أو التهديد وغيره.
مواضيع ذات صلة
وقبل عام، اعتقلت السلطات الأمنية الكاتب العماني محمد علي بخيت البرعمي في السابع من مارس/آذار 2024، بسبب منشورات على حسابه في فيسبوك، انتقد فيها الحكومة العمانية وبعض الأنظمة الخليجية والعربية، بسبب موقفهم من الحرب في غزة، وأفرجت عنه السلطات دون توجيه اتهامات مطلع مايو/أيار من العام نفسه. وجاءت منشورات البرعمي، التي تسببت في اعتقاله، حاملة نوعًا من النقد الساخر واللاذع أحيانًا للأنظمة الحاكمة في كل من مصر والأردن والإمارات والسعودية، بسبب مواقفهم من حرب غزة الأخيرة. كما أشار إلى تملق حكام الخليج من بعض المواطنين، واعتبره نوعًا من النفاق، كما وجه النقد إلى (وزير الاقتصاد العماني) ووزارة الإسكان في عمان.
حرية رأي ناقصة
تصنف منظمة “freedom house” عُمان على أنها “بلد غير حر”، ومنحتها ستة نقاط من 40 في مؤشر الحرية السياسية، و16 نقطة من 80 في مؤشر الحريات المدنية.
وأشار تقرير المنظمة لسنة 2023 إلى استمرار تقييد البيئة الإعلامية بالقيود القانونية المفروضة على حرية التعبير، بما في ذلك حظر انتقاد السلطان، وملكية وتمويل الحكومة لوسائل الإعلام، والتدخل في التغطية الإعلامية. كما لفت إلى تمتع الحكومة بسلطة واسعة لإغلاق المنافذ وحجب المواقع الإلكترونية، وإلغاء التراخيص، ومقاضاة الصحفيين على انتهاكات المحتوى، وقد استخدمت هذه السلطة في مناسبات عديدة. وبحسب التقرير تشمل جهود الحكومة لقمع الأخبار والتعليقات الناقدة اعتقال ومقاضاة شخصيات بارزة ناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويعد قانون جهاز الأمن الداخلي الصادر بمرسوم رقم 4 لسنة 2020، بمثابة انتكاسة فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، حيث أعطى المرسوم صلاحيات كبيرة لرئيس الجهاز لسن اللوائح والقوانين اللازمة لتنفيذ أحكام المرسوم. وتمثّل المادة (5) التي تعتبر كل ما يتعلق بالجهاز وموظفيه ووثائقه من أسرار الأمن الوطني مخاطر على حرية التعبير، حيث قد تعرض أي شخص ينتقد الجهاز ودوره للاعتقال، كما تحصن المادة كذلك الجهاز من المراقبة والمحاسبة من الجهات المختصة.
وتمنح المادة (6) الجهاز سلطات الشرطة فيما يتعلق بالقبض والتفتيش، كما يمارس الجهاز منذ 2011 أعمال قبض وضبط بحق الناشطين والصحفيين استنادًا إلى مصطلحات فضفاضة مثل الإرهاب وأمن السلطنة والمال العام والقيم. كما يتيح المرسوم للجهاز إمكانية التجسس على أجهزة الأفراد واستخدام خصوصياتهم.
وفي يونيو 2020، صدر مرسوم سلطاني رقم 64 بإنشاء مركز الدفاع الإلكتروني، والذي تتبع إدارته جهاز الأمن الداخلي، وجاء إنشاء المركز ليؤكد مخاوف متعلقة بمسألة المراقبة والتجسس على خصوصيات الأفراد والمواطنين، حيث منح المرسوم الجهاز الصلاحية لاستيراد أجهزة وبرمجيات متقدمة لحجب مواقع إلكترونية أو لمراقبة الإنترنت عن كثب.